ضربة مزدوجة
تعلم المطاحن والأفران أن أسعار الخبز سترتفع باستمرار بسبب غياب أي حل لأزمة البلاد في المستقبل القريب. ويقف الطرفان معاً على مسافة واحدة من وزارة الاقتصاد ومصرف لبنان، المسؤولَين المباشرَين عن تسيير عمل المطاحن ومن بعدها الأفران، من خلال توفير الدولار للاستيراد ووضع أسعار مناسبة للخبز، والتي تحتسبها الوزارة على ضوء أسعار الدولار والمحروقات والمواد الداخلة في صناعة الخبز، وفق ما تقوله في بياناتها التي تعدّل الأسعار تباعاً.
وارتفعت الحاجة للضغط المستمر لتأمين الدولار وتعديل الأسعار، تزامناً مع الحرب في أوكرانيا. فتهديد تأمين القمح بات مزدوجاً في ظل غياب الدولار في الداخل وصعوبة تأمين القمح بسهولة من الخارج، إذ يعتمد لبنان بشكل رئيسي على القمح الأوكراني والروسي. وبالتالي، لم تعد دولرة أسعار الخبز الحل السحري الوحيد بالنسبة للأفران، فالدولرة من دون تأمين كميات القمح لصناعة الخبز، تُبقي الفجوة مفتوحة، لأن على الوزارة مواكبة ارتفاع أسعار القمح عالمياً وضمان وصوله إلى لبنان.
الحل عند برّي!
يبرز رئيس مجلس النواب نبيه برّي كمنقذ لرغيف الخبز. إذ يتدخّل لدى أصحاب المطاحن والأفران حيناً، ولدى وزارة الاقتصاد ومصرف لبنان حيناً آخر، لحلحلة الأمور وتوفير القمح للأفران والخبز للمواطنين. ويحصل أن يوكل برّي هذه المهمة في بعض الأوقات للمدير العام للأمن العام، اللواء عباس ابراهيم، الذي عمل في العام الماضي على خطّ تهدئة الصراع حول أسعار الخبز بين الأفران والوزارة. وفي كل مرة “تنجح” الوساطة، فيتراجع أصحاب الأفران عن قرارهم بالتوقف عن انتاج الخبز، وتستجيب الوزارة للمطالب وتصدر تسعيرة توافقية.
ومع أن الأسعار حلّقت بالمقارنة بين بداية شباط من العام الماضي وشباط الجاري، إلاّ أن أسلوب التعامل مع الملف ما زال على حاله، فيما ارتفع سعر ربطة الخبز من 2500 ليرة إلى 14000 ليرة. فرئيس مجلس النواب، وحسب وكيل المطاحن في الجنوب علي رمال، “تدخَّلَ مع المعنيين في وزارة الاقتصاد لحل أزمة المطاحن والطحين في لبنان والجنوب”. وبذلك، “لن يكون هناك أزمة خبز وأفران بدءاً من يوم الجمعة”.
التدخّل المرحلي “سيحلّ أزمة الخبز قريباً”، وفق ما تقوله مصادر في قطاع المطاحن. وترى المصادر في حديث “المدن”، أن برّي “حلّ إشكالية تأمين الدولار لدفع ثمن القمح العالق في البواخر، وتواصل مع مصرف لبنان ووزارة الاقتصاد، وستفتح المطاحن أبوابها وتواصل تسليم الأفران”. وينطلق برّي -حسب المصادر- من “مسؤوليته كرئيس مجلس نواب، وهو لا يريد أي نقص في إمداد الخبز”.
لا تجد المصادر تدخّل برّي على أنه استمرار للنهج ذاته في إدارة البلاد، وهو ما أوصلنا إلى هذا المستوى من الانهيار. فبدل اعتماد آليات واضحة، تُدار الأمور بالتدخلات والتوصيات. على أن التدخّل يعني حكماً بأن الطرف الآخر، أي وزارة الاقتصاد ومصرف لبنان، يعرقلان إمدادت الطحين وإنتاج الخبز. وإذا ثبت ذلك، فعلى مجلس النواب والحكومة التحرّك ضمن الأطر القانونية. وإذا لم يثبت ذلك، فهو إدانة للمطاحن والأفران، ودليل على دخولها لعبة سياسية لصالح برّي، وهو ما يؤشّر عليه التزامها بتعليماته منذ ما قبل الأزمة، وحتى اللحظة.
والتدخلات السياسية مطلوبة بالنسبة للمصادر “فكلما تدخّلت قوى أكثر، يكون الحل أسرع”.
تجدّد الأزمة
لم تصل الجولة الحالية إلى مرحلة انقطاع الخبز وعودة الطوابير أمام الأفران، رغم عدم تسليم بعض المطاحن الطحين للأفران. لكنها مع ذلك مؤشّر إضافي على غياب الاستقرار، الذي يدعم بدوره رفع سعر ربطة الخبز بشكل دوري. وكما تنقّل سعر الربطة من 1500 ليرة إلى 14 ألف ليرة، فسيتنقّل بين معدّلات أعلى وصولاً إلى احتسابه بالدولار. فمن المتوقّع أن تُباع الربطة بدولار واحد، وفق سعر صرف السوق. لكن الأمر مؤجّل حالياً طالما أن المركزي يؤمّن دولارات استيراد القمح، الذي يدخل إلى مخازن المطاحن بكميات دورية تكفي السوق لنحو شهر ونصف الشهر، وذلك بعد تدمير إهراءات القمح في مرفأ بيروت بفعل التفجير.
وبغياب الإهراءات للتخزين والدولارات لاستيراد كميات كبيرة، يصبح إنقاذ الموقف مؤقتاً، بغضّ النظر عن هوية المنقذ، لأن الأسوأ لا يمكن تفاديه بالتدخلات السياسية والمَوْنة.
المصدر : المدن – حضر حسان