يترك غياب إسم الرئيس سعد الحريري عن اللوائح الانتخابية في “بيروت الثانية” أثراً واسعاً ووقعاً خاصاً، يجعل من مجمل الوضع الانتخابي استثنائياً في الدائرة التي لن تشبه سوى نفسها ولا يمكن مقارنتها إلا بذاتها. ولا يرتبط المعطى السرديّ فحسب في إطلاق التشابيه على منطقة تبدو تائهة حتى اللحظة، وسط عدد غير مسبوق من اللوائح وهمود شعبي مستمرّ مع مؤشرات غياب الحماسة الظاهرية للمشاركة الانتخابية الكثيفة. ويتجاوز هذه المعايير مكتسباً ارتباطاً وثيقاً بين شكل “بيروت الثانية” التي تشبه في تفاصيلها ملامح سعد الحريري، بما من شأن الغياب الشخصي أن يعكس واقع دائرة حائرة في أمرها ومنتظرة على قارعة طريق عودة من اعتادته “الناخب الأول”. ولا يعتبر المراقبون انسحاب نجل رفيق الحريري من السباق الانتخابي البيروتيّ بمثابة معطى عاديّ، بل إن آثاره متعدّدة الجوانب الرمزية منها قبل الرقمية. وتشخص الأنظار مستطلعة المعيار الذي يمكن أن تتّخذه مكوّنات الدائرة المناصرة شعبياً، على وقع التحديات التي تطاول هويّتها وكيفية العمل على منع توغّل لوائح قوى “الممانعة” وتمدّدها نحو حواصل إضافية. وتتمثل الصيغة التي يحتكم اليها تيار “المستقبل” بترك الحريّة لناخبيه في التصرّف لجهة التصويت من عدمه. وتؤكّد مصادره عدم ممارسة أي ضغط دافع أو مفرمل للاعتبارات الخاصة التي سيتّخذها كلّ مناصر أو حزبي في مقاربته للعملية الانتخابية في “بيروت الثانية” كما في سواها.
في حديث الأرقام، اقترع في “بيروت الثانية” في انتخابات 2018 ما شمل 147801 ناخباً بنسبة اقتراع 41.8%. وكان بلغ حاصل الدائرة الأول في الانتخابات الماضية 13075 صوتاً. وتشكّل حاصل الدائرة الثاني من 11537 صوتاً. وحصل الرئيس سعد الحريري على 20751 صوتاً في الانتخابات السابقة بنسبة بلغت 14% بمفرده. وبدوره، نال الرئيس تمام سلام الذي ترشّح عن لائحة “المستقبل لبيروت” 9599 صوتاً. ونالت اللائحة 6 حواصل انتخابية مع 62970 صوتاً. ولا شكّ بالنسبة إلى مستطلعين علميين ومراقبين سياسيين، في أن انتخابات 2022 لن تشهد على تسجيل مشاركة بهذا المستوى من الأصوات. وإذا كان السؤال الأساسي الذي يطرحه البعض يتمحور حول اشكالية: هل ثمة من يرث مقعد سعد الحريري في بيروت؟ فإن الإجابة تأتي على شكل الإشارة إلى أن خيار المقاطعة الانتخابية والامتناع عن التصويت الذي شهد مستويات تصاعدية على صعيد الأجوبة التي اختارها عدد من الناخبين في الدائرة، هو الخيار الذي سيرث المقعد. وهذا ما تشير اليه استطلاعات الرأي التي أجراها مركز دراسات الباحث كمال الفغالي، معبّرة عن ازدياد في الأجواء المشيرة عن الاتجاه إلى المقاطعة بعد تعليق الحريري مشاركته في الحياة السياسية. وتجدر الإشارة إلى أنّ الخيارات الملوّحة بعدم المشاركة في الاستحقاق الانتخابي كانت شكّلت أصواتاً وازنة في مرحلة ما قبل الاعتكاف أيضاً. وزادت النسب بعد العزوف الانتخابي “المستقبليّ”. ولم ينسحب هذا التوجه على اختيارات على صعيد البيئة السنية فحسب، بل شمل خيارات مماثلة في البيئة الشيعية رسمت علامة “عدم المشاركة” في الاستمارات التي عمل مركز أبحاث الفغالي على تعبئتها.
ويتمثل المعطى المقلق الذي لا بدّ أن يحضّ الناخبين السياديين على المشاركة الانتخابية، في أن الدراسات لفتت إلى أن انخفاض المشاركة من منطلق عام، تنعكس بشكل ايجابي على ميزان الحاصل الانتخابي لجهة لائحة “حزب الله” ولائحة الأحباش. وهذا يعني استفادة القوى “الممانعة” من أي مقاطعة. وفي المقابل، يمكن للائحة النائب فؤاد المخزومي أن تستفيد من انخفاض الحاصل. وعلى صعيد الاختيارات السنيّة التي برزت في استطلاعات رأي مركز الفغالي بعد عزوف تيار “المستقبل”، تصدّر المخزومي الخيارات في بيروت مع فارق مضاعف عن الأسماء الأخرى التي برزت في الدائرة. وهناك أسماء ترشّحت حديثاً ولم تشملها الاستبيانات بما يخصّ لائحة “بيروت تواجه” المدعومة من الرئيس فؤاد السنيورة، حيث الاتجاه نحو إجراء جولة استطلاعية جديدة تشملها في مرحلة ما بعد تشكيل اللوائح. وظهرت بعض الأسماء التي يمكن لها تحقيق بعض الحضور الشخصيّ انطلاقاً من استطلاعات سابقة، بما شمل رئيس نادي الانصار نبيل البدر. وتجدر الاشارة إلى أن جميع الأسماء التي شملتها الاستطلاعات لم تحقّق أرقاماً يمكن مقارنتها مع حجم التأييد الذي كان حظي به رئيس تيار “المستقبل” في الاستطلاعات التي سبقت الدورات الماضية، بما يجعل الفارق كبيراً وغير قابل للمقارنة بين الأرقام التي نالها سعد الحريري كمرشّح في الاستطلاعات السابقة وبين الشخصيات المرشحة حالياً.
وتستقرئ مصادر سياسية مواكبة للمرحلة التي انطبعت بالحضور الحريريّ على لوائح بيروت، أنّ غياب إسم سعد الحريري عن الأسماء المرشّحة في دائرة “بيروت الثانية”، من شأنه أن ينعكس تشتّتاً وتضعضعاً لا يمكن الاستهانة به على مستوى الأصوات في الدائرة في وقت يبدو من الاستحالة في مكان إيجاد من بإمكانه تعويض غيابه الشخصي على الأقلّ. ويتمثّل الخطر الذي تستشعره في مدى الانعكاس الذي يتركه عدم تضمّن اللوائح إسم الحريري في بيروت على كيفية استفادة “حزب الله” من معطى مماثل، إذا انخفض حجم المشاركة السنيّة عن المستويات المعقولة واستفادت كلّ من لائحة قوى “الممانعة” ولائحة الأحباش من حواصل إضافية. لكن الأكيد أن الجواب على سؤال “من يرث مقعد سعد الحريري في بيروت؟” لا يحتاج تعدّد احتمالات إن زادت المشاركة الانتخابية أو انخفضت… الإجابة: لا أحد.
المصدر مجد بو مجاهد – النهار”