يبلغ التناقض ذروته، ويتجلّى الفشل في إدارة الشأن العام، عند متابعة أداء السلطة، ومقاربتها كافة الملفات وآخرها ملف الكابيتال كونترول، وهذا القانون المزمع إقراره جزء من التدابير والتشريعات التمهيدية التي يطالب بها صندوق النقد لتوقيع اتفاق إطار يشكل المقدمة لبرنامج إصلاحي متكامل يضع البلد الصغيرعلى مسار التعافي.
ولنضع جانباً عجائب السياسة التي تلقي بثقلها على الملفات الإقتصادية، وأولاها إنقسام أركان السلطة حول أمور أساسية مثل مسألة توزيع الخسائر، أو الموقف من مصرف لبنان، أو التدقيق الجنائي لحساباته، أو مسؤولية المصارف عن الأزمة ومصيرها في الفترة اللاحقة، أو ملف قطاع الكهرباء…وكلها ملفات مرتبطة بشكل مباشر بالكابيتال كونترول، وفي شأنها يغنّي أهل السلطة كل على ليلاه حتى وصلت بهم الأمور إلى استنفار قضاتهم في معركة كسر عضم ضد الآخر… والمضحك المبكي أن في الأخير تنتهي بهم الأمور على اللوائح الإنتخابية نفسها.
وبالعودة إلى الإقتصاد والتدابير المتدوالة بشأن الكابيتال الكونترول، فإن أعجب ما في الأمر أن بينما تناقَش القيود المفروضة على قطاع الإنتاج، المعيل الوحيد لما تبقى من عائلات تواجه اليأس والفقر، وفي الوقت الذي تتوالى خلاله المسودات التشريعية الواحدة تلو الأخرى، يستمر مصرف لبنان بضخ ملايين الدولارات في السوق من دون حسيب ولا رقيب ومن دون أدنى “كونترول” لصرفه الإحتياطي المتبقي.
آخر الأرقام الصادرة عن مصرف لبنان تفيد بأن كلفة تثبيت الليرة على سعر المنصة بلغ 1,3 مليار دولار منذ مطلع العام ولغاية نهاية شهر آذار. أموال تضاف الى الـ 21 مليار دولار التي تبخرت من صناديق مصرف لبنان منذ خريف 2019. وهنا فقط للمفارقة: هل هناك مَن يدرك أن جل ما يمكن أن يحصل عليه لبنان من صندوق النقد لا يفوق الـ 5 مليارات دولار، وهي إذا ما أضيفت إلى الـ 15 مليار دولار التي قد توافق على منحها الدول الداعمة، هذا إذا ما حصلت الأعجوبة وتم التغلب على كل العقبات، ليس آخرها إعادة حد أدنى من الثقة إلى العلاقة مع دول الخليج، فهي لن تتعدى الـ 20 مليار دولار. بمعنى آخر هدرت السلطة في أقل من سنتين أموالاً تفوق تلك التي سوف تقترضها من صندوق النقد والدول المانحة والتي سوف يتطلب إيفاؤها تضحيات كبيرة وأكلافاً ضخمة يتحمل أعباءها المواطن اللبناني أولاً وأخيراً.
والسؤال يبقى: ماذا جنى الإقتصاد اللبناني من سياسة نفخ الليرة إصطناعياً الذي طالعنا به المركزي منذ مطلع العام؟ وما من عاقل يجهل أن ما من جدوى لهذا الضخ، لا على صعيد رفع الإنتاجية، ولا على صعيد تمتين شبكة الأمان الإجتماعي. وقبل تسليط الضوء على قطاع الإنتاج، المترنح أصلاً بفعل انعدام سبل التمويل، وانقطاع الكهرباء وارتفاع أكلافها؛ وقبل فرض القيود عليه، وعلى ما يجنيه من دولارات، وهي لا تتعدى الثلاثة مليارات سنوياً، ألم يكن من الأجدى إيقاف النزيف المستمر لإحتياطي المصرف المركزي؟ فالمطلوب كابيتال كونترول على ما تبقى من الإحتياطي، لا على السيولة التي تحرك ما تبقى من الإقتصاد.
المصدر : سامي نادر – نداء الوطن