فوجئ اللبنانيون الأحد، بكلام صادر عن أحد المسؤولين يُعلن “إفلاس الدولة” في حوار متلفز، قائلاً إن “الدولة مفلسة وكذلك مصرف لبنان وللأسف الخسارة وقعت”. في السياق، ردت مصادر مصرف لبنان عبر “جسور” على كلام الشامي، فيما يذهب الخبراء والاقتصاديون في تحليلاتهم إلى أبعد من العبارة “الصاعقة”.
الكلام صدر عن نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعادة الشامي، وأضاف “هناك حقيقة لا يُمكن تجاهلها ولا يمكن أن نعيش في حالة إنكار ولا يمكن أن نفتح السحوبات المصرفية لكل الناس وأنا أتمنى ذلك لو كنا في حالة طبيعية”. كما ركّز الشامي على كيفية توزيع الخسائر، معتبراً أنها “ستكون على الجهات المعنية والتي تتمثل بالدولة ومصرف لبنان والمصارف بالإضافة إلى المودعين”.
وشغل حديث نائب رئيس الحكومة الرأي العام المحلي وتصدر العناوين، إذ يغرق لبنان في واحدة من أسوأ أزمات العصر، وهو بدأ مفاوضات مع صندوق النقد الدولي يتخوّف البعض من أن تتأثّر سلباً إثر تصريح الشامي، في حين نفى البعض أن يكون التصريح العابر “إعلاناً رسمياً بالإفلاس”، كونه لم يصدر عبر بيان رسمي، كي تتخذ المراجع الدولية موقفاً منه.
مصادر المركزي تعلّق
مصادر مصرف لبنان، أعلنت عبر “جسور” أن “الشامي مسؤول عن كلامه، ومصرف لبنان لا علاقة له بهذا التصريح”. وعن القلق من إعلان إفلاس الدولة وانعكاسه على مختلف القطاعات بما فيها القطاع العام، أكدت المصادر أن “مصرف لبنان مستمر بأداء مهامه ومن بينها الدفع للقطاع العام وموظفيه”. واستنكرت المصادر الكلام الصادر عن الشامي، وسألت: “كيف يمكن لدولة تمتلك احتياطياً من الذهب بقيمة 18 مليار دولار واحتياطياً بالعملات الأجنبية بقيمة 13 مليار دولار، أن تُعلن إفلاسها؟ “. وشددت المصادر على أنه “لا علاقة لمصرف لبنان بكلام الشامي”.
تضارب
الخبيرة الاقتصادية المحامية اللبنانية سابين الكيك، أكدت في حديث لـ”جسور”، أن “التصريح لا معنى له من الناحية القانونية لأن الدول لا تفلس بل تتعذر عن سداد ديونها”
وأضافت أنّ “توقف الدولة عن الدفع لا يعني أن ليس لديها أصول وإلا لما كان صندوق النقد وافق على التعامل معها”.
وهنا علقت الكيك على جملة من التناقضات في حديث الشامي، أبرزها قوله إن “الدولة عاجزة، ليُعلن لاحقاً أن صندوق النقد يسعى إلى تنشيط اقتصاد لبنان”.
كذلك لمحت إلى أن تلعثم نائب رئيس الحكومة وتضارب أقواله وعدم مصارحة اللبنانيين بالحقيقة، له دلالات معينة أبرزها “رغبة بعض الجهات السياسية وكبار المصرفيين في التحكم بالأزمة المصرفية حتى وإن جاءت على حساب القطاع المصرفي”.
جسر عبور
أما عن إفلاس مصرف لبنان تقول الكيك “الأمر ليس بجديد” مشيرة إلى أن “عجزه يفوق الخمسين مليار دولار”.
وأوضحت أن “إعادة هيكلة مصرف لبنان المالية والإدارية أولوية بالنسبة لصندوق النقد”، إذ الهدف منها التأكد من فعالية أجهزة الرقابة فيه واعتمادها معايير الشفافية “باعتبار أنها ستكون مسؤولة عن مراقبة كيفية استخدام القرض”.
كما أضافت أن “صندوق النقد يرفض الكابيتال كونترول إن لم يكن ضمن خطة إصلاحية”.
وتقول الخبيرة الاقتصادية إن “جميع المفاوضات مع صندوق النقد متوقفة عند عتبة مصرف لبنان، والأخير تحول إلى جسر عبور أساسي لإعادة الإصلاحات وفرضها على الطبقة السياسية”، مشيرة في المقابل إلى أن “صندوق النقد ليس مستعجلاً إنما على لبنان التحرك بسرعة قصوى للدفع باتجاه الإصلاحات”.
وتطرقت الكيك إلى أن “نائب رئيس الحكومة عمد إلى استثناء المصارف والمودعين من الإفلاس، مما يعني أن من المودعين وباقي المصارف سيتحملون توزيع الخسائر التي كشف عنها”.
الصدمة في كلمة
من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي علي نورالدين في اتصال مع “جسور”، أن تصريح نائب رئيس الحكومة اللبنانية “لا يحمل أي جديد بدليل أن لبنان بدأ المفاوضات مع صندوق النقد”.
وأضاف نور الدين، أن الدولة اللبنانية “تعاني في الواقع من تعثر مالي إذ أنها امتنعت منذ عام 2020 عن تسديد ديونها، كما أن مصرف لبنان لديه خسائر بحوالي 60 مليار دولار”.
“الإفلاس واقع” وفق نورالدين، لكن ما أحدث الصدمة في حديث الشامي فهو “استخدامه لعبارة إفلاس”.
وعن احتياطي الذهب وما يمكن أن يشكله من ضمانة فأشار نور الدين أنه “احتياطي نقدي على المدى البعيد، ولا يجوز أن يتحوّل إلى وديعة للحكومة لدى مصرف لبنان”.
الكساد والنخبة
وأشار تقرير البنك الدولي في خريف 2021، إلى أن الكساد المتعمّد في لبنان هو من تدبير قيادات النخبة في البلاد التي تسيطر منذ وقت طويل على مقاليد الدولة وتستأثر بمنافعها الاقتصادية.
ولفت التقرير إلى أن هذه الهيمنة مستمرة رغم ما يشهده لبنان، في واحدة من أشد عشر أزمات وربما أشد ثلاث أزمات في العالم منذ خمسينات القرن التاسع عشر، فقد أفلس نموذج التنمية الاقتصادية للبنان الذي ازدهر بفضل تدفقات وافدة كبيرة لرؤوس الأموال ودعم دولي في مقابل وعود بإجراء إصلاحات.
إضافة إلى أن الانهيار يحدث في بيئة جيوسياسية تتسم بدرجة عالية من عدم الاستقرار، مما يؤكد الحاجة إلى معالجة سريعة وبناءة لهذه الأزمة الحادة.