جاء مشروع قانون الـ»كابيتال كونترول» بالصيغة التي تمّ إعدادها والتي ستقونن فيها عمليات التحويل إلى الخارج ودخول الأموال إلى البلاد وتجميد أموال المودعين لسنوات وسنوات، لترسّخ أكثر فأكثر التحوّل الذي طرأ على اقتصادنا، بالعودة إلى التداول بالنقد الورقي باعتبارها الوسيلة الأضمن في التعامل.
معضلة الاستيراد
ولكن هذا الأمر دونه عواقب وخيمة مثل تنشيط تبييض الأموال، ونقل الكاش إلى الخارج في الحقائب… ويعتبر نائب رئيس مجلس الوزراء السابق غسّان حاصباني خلال حديثه إلى «نداء الوطن»، «أن استفحال الإعتماد على الـ»كاش» يعود إلى تداعي النظام المصرفي، معتبراً أنه «من غير الممكن استخدام النقد في عمليات الإستيراد على سبيل المثال، حتى أن قيمة الأوراق النقدية التي يمكن «حملها»، ستصبح غير كافية لشراء أبسط الأمور الحياتية اليومية، عندها لا بدّ من الوصول إلى وقت يتمّ فيه استبدال الكاش بمحفظة إلكترونية على الهاتف المحمول، تتمّ تعبئتها حسب الحاجة ويتم تسديد المشتريات من خلالها عبر نقاط البيع».
وأضاف: «كما يمكن أيضاً تعبئة البطاقة من المساعدات الخارجية وتحديد كمية ونوع السلع التي يمكن شراؤها من خلالها.
ولكن هلّ يحلّ هذا الأمر معضلة الإستيراد؟ طبعاً لا، أكّد حاصباني، إذ سيكون هناك حاجة إلى مصارف معترف بها للتمكن من فتح الاعتمادات»، وتكون طبعاً مصدر ثقة.
دور قانون ضبط التحويلات والسحوبات
وعن الدور الذي سيؤدّيه قانون الـ»كابيتال كونترول» في عملية تعزيز الدفع النقدي وما عداه من التداعيات السلبية، عرض حاصباني سلسلة من النقاط التي يراها سلبية، فقال إن «قانون الـ»كابيتال كونترول» لا يأتي ضمن سلّة إصلاحية متكاملة، إذ يمكن أولاً، «فرضه لحجز أموال المودعين لفترة طويلة من دون ايجاد حلول لاسترجاعها، وبالتالي يجهز عليها ويعفي المصارف من مسؤولياتها إلى أن تصبح قيمة الودائع لا تذكر أو تتّخذ إجراءات تطيح بقيمتها، وعندها يتم دفعها.»
كما اعتبر ثانياً، أن «القانون نفسه يستحدث لجنة مؤلفة من حاكم مصرف لبنان ورئيس الحكومة وآخرين لتضع ضوابط تطبيق القانون ومعايير التحويلات ما ينقل الاستنسابية من المصارف إلى اللجنة بدل أن يلغيها، وهذا من شأنه خلق حالة من عدم الاستقرار».
صندوق النقد وسلّة الإصلاحات المطلوبة
وبالنسبة إلى صندوق النقد الدولي الذي بدأ الوفد المرسل من قبله إلى لبنان بجولة جديدة من المناقشات والذي يسعى إلى إجراء اتفاق مبدئيّ مع لبنان لحثّه على الشروع في الإصلاحات، قال حاصباني إنه «قبل الإنتخابات لا اتفاقية رسمية معه كما بات معلوماً». مؤكّداً أن «صندوق النقد يحتاج إلى اعتماد الدولة اللبنانية سلّة متكاملة من الإصلاحات، ولا يمكنه أن يقبل بخطة مجتزأة تأتي من حكومة ستغادر بعد أسابيع من إجراء الانتخابات».
وتابع «عندها يبرز التحدّي الأكبر بعد الانتخابات إذا لم ينتج تغيير كبير في تركيبة المجلس يؤدي إلى تشكيل حكومة اختصاص وبشكل سريع، حيث ستكون الحكومة في حالة تصريف أعمال حتى الانتخابات الرئاسية، وبالتالي غير قادرة على القيام بالإصلاحات أو توقيع اتفاق مع صندوق النقد».
الممارسات القضائية على البنوك
وفي ما يتعلق بتداعيات الضغوطات القضائية التي تمارس على المصارف وعلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قال إنه «في ظلّ الضغط على سلامة للإطاحة به (مذنباً كان أم لا) مقابل استخدام ما تبقى من احتياطات في المركزي لحين الوصول إلى الذهب، والدعاوى المقامة على بعض المصارف، يمكن لبعض البنوك أن تتوقف عن العمل أو بعض المصارف المتعاملة معها في الخارج أن توقف هذا التعامل أو تضيّق عليها أكثر. بالتزامن ومع نفاد الجزء الأكبر من احتياطات العملة الصعبة في هذه الحال، يصبح الاقتصاد اللبناني مبنياً على الـ»كاش» ومعزولاً كلياً عن سائر دول العالم، ولا يمكنه فتح الاعتمادات للإستيراد، ولا دفع فواتيره خارج لبنان، فتقتصر التجارة على من لديهم حسابات خارج لبنان وترتفع أسعار السلع ويكثر التهريب ويصبح لبنان دولة خارجة عن القانون تعيش في العصور الوسطى.
دولة فاشلة تستدعي تدخّلاً دولياً
أما الدولة «فستتقلّص قدرتها على تغطية نفقاتها التشغيلية وصيانة مرافقها العامة ودفع رواتب الموظفين والجيش والقوى الأمنية ويهرب العدد الأكبر منهم أو يعتكف عن العمل لتصبح دولة فاشلة، حيث تحكم المافيات بشكل قمعي ويصبح من الضروري التدخل الدولي تحت الفصل السابع إذا أدّت الأحداث إلى اشتباكات عسكرية تهدد السلم.»
وإذا لم تحصل أحداث عسكرية، يمكن الاستمرار بحال الفوضى واستخدام احتياطي الذهب لسنوات عدّة».
من هنا، برأيه، إن الطريقة الوحيدة المتاحة اليوم، تقوم على البدء بقلب المعادلة عبر انتخابات نيابية مع كثافة في التصويت.
الاقتصاد الأسود
إذا عدنا إلى مجريات الأحداث قبل أن تدقّ ساعة الإنهيار في نهاية العام 2019، يتبيّن أن الإقتصاد الموازي هو من أبرز الأسباب في شيوع عمليات الدفع «كاش».
وفي هذا السياق يقول الخبير الإقتصادي جان طويلة لـ»نداء الوطن» إنه «وفقاً لأرقام العام 2015، يعتبر صندوق النقد الدولي أن «الإقتصاد الموازي يشكّل نسبة 30% من الإقتصاد ككل. وهو ناجم عن أعمال التهريب والحرب في سوريا وزيادة الضرائب… إذ توجّهت الشركات نحو الإقتصاد الموازي، واستعر التهرب الضريبي. لكن سرعان ما زادت حصة الإقتصاد الموازي، إذ وصلت إلى نسبة 50% استناداً إلى دراسة أعدت للفترة الممتدة بين 2019 و2020 فتحوّل الإقتصاد إلى cash economy وبات غير شرعيّ كون حجمه فاق حجم الإقتصاد الحقيقي».
من هنا فإن أي خطة إصلاحية وفق تلك المعادلة ستقوم على الإقتصاد الشرعي فقط، وبرأي طويلة أي «إصلاح يقوم على زيادة الضرائب أو اعتماد قانون المنافسة، سيطاول الإقتصاد الشرعي أي الشركات المسجلة وموظفي الضمان… الذين يشكلون نصف الإقتصاد، فيتحمّل هؤلاء وحدهم كلفة كل الإقتصاد» الأمر الذي سيثقل كاهلهم.
هذا ما يريده «حزب الله»ويضيف: «إن الإقتصاد الموازي يحمي حزب الله والسلطة السياسية، ويبدو ذلك جلياً ويمكن استنتاجه من كل المواقف والطروحات في المناقشات مع صندوق النقد الدولي أو في مشروع قانون الموازنة». من هنا يشدّد طويلة على «ضرورة فرض الدولة هيبتها، وإعادة النظر في الإعفاءات الضريبية… لافتاً إلى أن «هناك سلطة سياسية لن تقبل على إنجاز الإصلاحات، وستجد طرقاً أخرى لتجنب هذا الأمر، ما يفرض علينا كلفة باهظة»، مؤكّداً أن «لا إرادة حقيقية لدى المسؤولين في السير مع صندوق النقد الدولي».
وأكّد أن الدولة في لبنان هي فاشلة بامتياز، تكرّس اقتصاد الـ»كاش»، لا تريد فرض القوانين على كامل الأراضي اللبنانية، الأمر الذي يعتبر أكبر عائق للخروج من الأزمة. فالإستمرار بطبع العملة لتسديد رواتب القطاع العام وسدّ العجز يزيد الكتلة النقدية المتداولة في الإقتصاد ما يؤدي إلى تضخّم في الأسعار، ولو أنه يتمّ قمع هذا التضخم من خلال تقنين تسديد الودائع بالليرة، وامتصاص العملة الوطنية من السوق عبر التعاميم الموقتة الصادرة عن مصرف لبنان؛ وتراجعت قيمة النقد المتداول من منتصف كانون الأول إلى منتصف آذار بقيمة 8 تريليونات ليرة لبنانية.
المصدر باتريسيا جلاد- نداء الوطن