تنهار الامبراطورية التي بناها رياض سلامة شيئاً فشيئاً. ومع أن ما يواجهه حاكم المصرف المركزي ما زال في إطار اتهامات غير صادرة بصورة رسمية عن أي قضاء لبناني أو أجنبي، إلاّ أن إعادة الثقة بالرجل مستحيلة. ولا يتوقّف الأمر على الثقة، فحجم ما يتورّط به يستدعي الغوص في أعماق اللجان والهيئات التي أسّسها ويرأسها ويشرف عليها، فعبرها جرى تلميع وشرعنة الكثير من التحويلات والإجراءات التي ما زالت تفاصيلها مجهولة. وإحدى النتائج التي يجب التدقيق بها، تلك الصادرة منذ عامين، أي في نيسان 2020.
براءة للمصارف
شكّلت التحويلات التي أجرتها المصارف اللبنانية إلى الخارج، جوهر الأزمة التي انفجرت في 17 تشرين الأول 2019. فتلك التحويلات سرّعت الانهيار لأنها سحبت من المصارف ومن السوق كتلة نقدية ضخمة لم يستطع القطاع المصرفي والاقتصاد الصمود أمام الفراغ الذي أحدثته. كما أن الجزء الأكبر من تلك التحويلات مشبوه بكونه ينحدر من مصادر غير قانونية، وخصوصاً أموال الأشخاص المعرّضين سياسياً.
ولتبرئة نفسها، حصرت السلطة السياسية والمصارف ورياض سلامة، النقاش المتعلّق بالتحويلات، في الفترة الزمنية الممتدة بين 17 تشرين الأول 2019 ونهاية كانون الأول من العام نفسه. ولتأكيد نظافة الأموال المحوَّلة في تلك الفترة، طلب سلامة من المصارف التدقيق في الحسابات التي حوّلت عبرها الأموال في تلك الفترة. وأرسلت التقارير المصرفية إلى هيئة التحقيق الخاصة التي يرأسها سلامة، وخلصت في 8 نيسان 2020 إلى أن المصارف “أفادت بعدم وجود أي شبهة بالعمليات أو بمصدر الأموال المودعة في الحسابات”. وبالتالي، فإن المصارف قررت وسلامة شهد وحَكَمَ ببراءة المصارف!
التشكيك بالمصداقية
ما وصل إليه سلامة من شبهات تبييض واختلاس الأموال والإثراء غير المشروع، يعني التشكيك بكل ما شهد به وأقرَّ بنظافته، وعلى رأسه ما يتعلّق بالمصارف، وضمناً التحويلات التي أجرتها، ليس بدءاً من 17 تشرين، وإنما من منتصف العام 2017. أما شهادة هيئة التحقيق الخاصة، فسقطت مع سقوط سلامة، وباتت الهيئة نفسها محط اتهام. فضلاً عن لجنة الرقابة على المصارف التي تغاضت وما زالت عن ممارسات المصارف، ما يجعلها متورّطة بالفساد، قصداً أو إهمالاً.
القضاء اللبناني عليه التحرّك باتجاه هيئة التحقيق الخاصة ولجنة الرقابة على المصارف، فبين أدراجهما الكثير من الملفات التي تحتاج إلى تدقيق. إلا إن أراد القضاء حصر تحقيقاته بالحاكم على مستوى فردي وعدم كشف ما يتعلّق بالمصارف والسياسيين، لأن ما في حوزة الهيئة واللجنة، يطال من هو أبعد من سلامة.
صندوق النقد وهيكلة المركزي
ليس مستبعداً تجاهل القضاء لعمق الأزمة في المصرف المركزي. على أن التجاهل المحلّي لا ينطبق على صندوق النقد الدولي والمصارف الأجنبية والقضاء في الخارج. وهؤلاء يفنّدون التفاصيل للوصول إلى خلاصات تحمي سمعتهم وأموالهم، وإذا تثبّتوا من وجود مصادر غير قانونية للأموال التي في خزائنهم، فسيصادرونها غير آسفين على ما يحصل للمصارف اللبنانية والمصرف المركزي وما بينهما من سياسيين وأصحاب مصالح.
وللحفاظ على ماء وجه مصرف لبنان كمؤسسة رسمية غير مُختَصَرة بشخص الحاكم “المطلوب إعادة هيكلة داخلية للمصرف المركزي”، وفق ما تراه الخبيرة القانونية المتخصصة في الشأن المصرفي، سابين الكيك، التي تنطلق لدعم وجهة نظرها، من أن “صندوق النقد الدولي يطالب بإصلاحات فعلية قبل مساعدة لبنان”، وعلى هذه الإصلاحات أن تشمل الهيكلية الرقابية والتنفيذية داخل المركزي “لنتأكد من أن الرقابة موجودة وحقيقية. ففصل الصلاحيات والوظائف غير موجود، والحاكم يسيطر على كل شيء، وكلّما تأسست لجنة أو هيئة، يكون هو رئيسها، وتتمثّل جمعية المصارف داخلها”. ومن هنا، ترى الكيك في حديث لـ”المدن”، أن ما يحصل داخل المركزي “لا يشبه أي من قواعد الحوكمة والشفافية في العالم”. وبالتالي، فإن قضية سلامة يجب أن تنسحب على هيكلية المصرف المركزي كفعل إصلاحي حقيقي.
المصدر : خضر حسان – المدن