على مسافة شهر ونصف تقريباً، من الانتخابات النيابية، بدأ بعض المرشّحين ورؤساء اللّوائح، “يرشحون زيتاً”، مُتذمّرين من مُوزّعي الأموال لإسقاطهم في “عرينهم”، مُتناسين أن نجاحهم أو سقوطهم، أو حتى إسقاطهم، ليس “على بال” شريحة واسعة من الناس، أصلاً.
وهنا نسألهم، بما أنّكم أقوياء، وشرفاء، وتعلّمون الشرف نفسه كيف يكون شريفاً، لم أنتم تتذمّرون؟
وبما أنّكم تثقون بشرف ممارساتكم السياسية والاقتصادية “الرّفيعة”، لماذا تجعلون من أنفسكم “مسخرة”، على غرار الروس مثلاً، الذين يؤكّدون أن لا قيمة للدولار الأميركي، ولا للنّظام المالي الذي يسيطر عليه الغرب، فيما نجدهم يهدّدون الدول الغربية بأنها ستدفع ثمن عقوباتها على موسكو، وهو ما يدلّ على أنهم هم أنفسهم (الروس) “مستقتلين” للاندماج في هذا النّظام، ولرفع العقوبات عنهم، وغير مُكتفين بـ “تدمير” الأعداء في الغرب، لا عبر الحديث عن بَيْعهم الغاز بالروبل، ولا بواسطة التلويح بتجويعهم، من خلال القول إن تصدير المنتجات الغذائية والزراعية الروسية سيشمل “الأصدقاء” فقط، وإنهم ليسوا في أوروبا أو أميركا الشمالية “على الإطلاق”.
كما نسأل حكّامنا نحن، لم تتقصّدون اللّهو الانتخابي، في الوقت العالمي الضّائع، قبل أن تبدأ مفاعيل الأزمات العالمية الكثيرة بالظّهور أكثر؟
فالعالم كلّه بات كمصبّ واحد لنهر نتائج أزمة جائحة “كوفيد – 19” العالمية، والحرب الروسية على أوكرانيا، ولأزمات إقليمية عدّة رافقتهما وترافقهما، في عدد من الأقاليم حول الكرة الأرضية.
ومن تبعات ذلك، المزيد من ضرب الجيوب، وزيادة الفقر العالمي، والذي لن نتأخّر نحن في لبنان، عن التربّع على عرش مراتبه الأولى، فيما يغرق الغارقون في بلادنا بعَسَل الانتخابات النيابية، بدلاً من التركيز، ومنذ الآن، على الإسراع الى وضع حدّ لمشاريع “المُمَانَعَة” الإقليمية “التكامُليّة”، باقتصادها “التهريبي” المتعدّد، سواء كان من لبنان أو إليه، والذي لا تستفيد منه إلا فئة معيّنة، وبطُرُق غير شرعيّة، بينما يتوجّب حفط “الجِلْد المعيشي” على الجسد اللبناني العام، ومن جانب الدولة وحدها، في زمن الضّيق المعيشي العالمي، المُتزايِد.
ومن الآن، وحتى موعد الانتخابات، سنعوم على بحر من الأوهام، ينتهي بالنّظر الى “الشبوبيّات” التي انتُخِبَت، والتي لن تُنجِز سوى تحريك لبنان من المكان الذي هو فيه حالياً، لتعيده إليه هو نفسه، بعد إعلان النتائج، ودخول مجلس النواب.
والفتىلفت مصدر مُطَّلِع الى أن “الأزمات الغذائية والحياتية تنتشر في العالم كلّه. فكلّ الشعوب تُعيد النّظر باستهلاكها اليومي، فيما تدعو الحكومات شعوبها الى أشكال مختلفة من التقشُّف، ومن التعايُش مع الأزمات العالمية الجديدة”.
وشدّد في حديث لوكالة “أخبار اليوم” على أن “هذا الواقع يرتدّ على لبنان منذ مدّة، وسيزداد سوءاً، وهو يدعو الى إعادة النّظر بباقة الإصلاحات التي كانت مطروحة في عام 2019، والتي لا بدّ من إدخال تعديلات عليها، صارِمَة أكثر، وذات مفاعيل أسرع”.
وأشار المصدر الى أنه “لو طُبِّقَت بعض الإجراءات منذ عام 2019، ومن بينها إقرار قانون “كابيتال كونترول” مثلاً، لكنّا استفدنا منها. أما اليوم، فهي فقدت معناها، وتحوّلت الى ضرر. فأي “كابيتال كونترول” سيكون فعّالاً، بعدما خرجت رؤوس الأموال من البلد، وما عاد إعادتها إليه في يد أحد؟ وما معنى “كابيتال كونترول” لا يُمكن تطبيقه إلا على الفقراء؟”.
وأضاف: “أمر آخر أيضاً، وهو أنه يُفتَرَض بخبراء “صندوق النّقد الدولي”، أن يكيّفوا “وصفتهم” اللبنانية، مع انعكاسات الأزمة العالمية النّاتجة عن الحرب الروسية على أوكرانيا، أيضاً. وهذا هو الدور المتوجّب على المُفاوِض اللبناني لخبراء “الصّندوق”، بشكل أساسي حالياً. كما يتوجّب على الدولة اللبنانية الإسراع في إيجاد مصادر جديدة، وواضحة، وموثوقة، ومُستدامَة، لاستيراد المواد الغذائية”.
وأكد المصدر أن “اللبنانيين يُعانون للحصول على المواد الغذائية، وهُم كانوا يركّزون على شراء الأساسيات، من طحين، وحبوب…، منذ أكثر من عامَيْن. ولكن توفُّر الأساسيات نفسها، بات تحت نير احتمالات ضبابية مؤخّراً”.
وتابع: “الغريب هو أن المرشّحين الى الانتخابات النيابية، من “سياديّين” و”غير سياديّين”، لا يأتون على ذكر تلك الأمور، بل يكتفون بالكلام الشعبوي والفارغ عن أزمات الأدوية، والاستشفاء، والمحروقات، والغذاء، وضياع الودائع المصرفية… من دون أي ملموس واضح، يؤكّد لنا كيف سيضعون حدّاً لكلّ تلك المشاكل، بعد الانتخابات”.
وختم: “لا شيء يؤكّد أن الانتخابات النيابية ستكون فعّالة. وبعض المُعطيات تُفيد بأن نسبة المُقاطَعَة فيها ستكون كبيرة، لدى كل الطوائف، وكل الشرائح الاجتماعية، والفئات العُمرية”.