يوما بعد يوم، ومع اقتراب نهاية العهد يزداد تفكيك الازمة صعوبة وتعقيدا، مع صب التعطيل المتعدد المصادر الزيت الدائم على نار الخلافات العميقة بين اهل الحكم والدولة حول الأساسيات والبديهيات لقيام المؤسسات وانتظام عملها، ليزيد من طينها بلة الكيمياء المفقودة بين أركان البيت الواحد، حيث يعمل كل واحد منهم بمنطق «قبور بيك والحقني»، و»الشاطر بشطارته»، مقتطعا لنفسه مساحة يلعب فيها ومحمية يبني على انقاضها، لم يكن ينقص دليل عليها سوى مسرحية رئيس الحكومة بالامس امام البرلمان.
مصادر وزارية متابعة قرأت في الخطوة الميقاتية جرس انذار «دقه» الطرابلسي في وجه شركائه ممن يتعاطون «بشعبوية» من منظار انتخابي ضيق على الطاولة، اكثر مما «دقه» في وجه الخصوم ممن «يقاطعونه»، خاصة انها بدأت تتناول ملفات «كبيرة» يتوقف عليها الكثير ، من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وما يستتبعها من اصلاحات ، وصولا الى تأثير الحملات التي يتعرض لها على صعيد الشارع السني.
فاصحاب المزايدات في الحرص على المصلحة العامة وعلى مصالح المواطنين «بالايد التي توجعهم»، اي الودائع المصرفية، لا يفوّتون فرصة الا ويطلقون النار على الحكومة التي ارتضوا ان يكونوا جزءا اساسيا فيها ومن قرارها، ما يعني تحمل مسؤولية كرة النار التي ستحرق «صبيع» الجميع، بحسب المصادر، التي رأت ان ما حصل خلال درس الموازنة من غير الممكن السماح بتكراره، فرئيس الحكومة الذي ارتضى تحمل المسؤولية لن يرضى ان يكون «كبش فدا» لاي طرف سياسي.
ورأت المصادر انه منذ تشكيل الحكومة كان الاتفاق برعاية فرنسية، على الحفاظ على التضامن الحكومي والعمل على الحد من الانهيار، عبر تسهيل مهمة التفاوض مع صندوق النقد، كونه خشبة الخلاص الوحيدة المتاحة حاليا، في ظل الازمة مع دول الخليج، لا وضع العصي في هذا المسار تحت الف حجة وحجة، دون طرح البدائل من جهة، والسعي لانجاز الاستحقاق الانتخابي من جهة ثانية، غير انه مع الاسف بدأت الامور تأخذ منحى آخر تمثل في عودة نغمة التعطيل باشكال مختلفة، ما ادى الى توقف عجلة الاصلاحات وتعثر الدولة في الوفاء بالتزاماتها للمجتمع الدولي ما فوّت عشرات الفرص وما زال، والاخطر ان الخارج بدأ يحمّل رئيس الحكومة مسؤولية الاخفاقات، هو الذي تعهد ودافع عن تشكيلته الحكومية.
وكشفت المصادر انه بعد خروج الشيخ سعد من الحياة السياسية وتجميده لـ «تيار المستقبل»، ما ادى الى تضعضع الشارع السني وتخبطه، وسط محاولات وراثة «الحريرية السياسية» وتقاسم شعبيتها، تتعرض رئاسة الحكومة لضغط سني خارجي وداخلي كبير، بات معه من الصعب جدا على «الميقاتية السياسية» تمرير امور باتت بنظر الشارع تمثل تنازلا عن صلاحيات الرئاسة الثالثة، ليزيد من طين ذلك بلة تراجع الحماسة الخارجية لرعاة وصوله الى السراي، من باريس الى لندن، وما بينهما.
وختمت المصادر بانه في حال استمر الاطراف المعنيون، في السياسات الحالية نفسها التي شعارها العرقلة الشعبوية، فان رئيس الحكومة لن يبقى مكتوف اليدين، ولن يمرر المزيد من الوقت الضائع الذي بات يستنزف ما تبقى من رصيده، على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهو الذي رهن مستقبل حياته السياسية بنجاحه في مشروعه، ملمحة الى ان خيار طلب عقد جلسة مناقشة عامة وطرح الثقة بالحكومة سيظل مطروحا وجديا.
اذن بكل بساطة ردت السراي على بعبدا وعين التينة ومن خلفهما ، لتقطع الشك باليقين حول الخلافات التي بدأت منذ فترة بين المقربين، بعدما بات جميع أطراف السلطة يتسابق ليحفظ له موقعا إلى الطاولة وورقة للعرض، بعد أن بات الداخل والخارج مقرّين بأن التغيير آت في النظام وطبيعة وظيفته، حيث يحاول كل طرف «سحب البساط لميلته»، والا فبماذا يمكن تفسير ما حصل بالامس؟
فبعبدا التي سلّمت بأن الوقت ما عاد للعمل، بقدر ما بات لتأمين انتقال للسلطة والأزمة وملفاتها سواء للصهر او غيره، لا فرق، طرحت خارطة طريق لن تصلح قبل نهاية العهد، دون أن «تنمغص» اذا كان الوارث في بعبدا جبران باسيل. أما السراي، فمن جهتها حساباتها من العيار الكبير، عنوانها العريض وراثة الساحة السنية مع تداعي «الحريرية السياسية»، فابن طرابلس الذي خاض معارك «بالطول والعرض» للوصول إلى السراي، كمحطة لمشروع «الميقاتية السياسية»، هدفه حفظ مكان في العهد الجديد، كرئيس حكومة وحيد واحد. حلم بدأ يتهاوى بدوره، وهو ما بينه مؤتمره امس، «فلا الفرنساوي راضي، ولا الاميركي بدو، والسوري مش بالعه اذا كان جد راجع»، عليه لم يبق أمامه الا الحزب عل وعسى، إلا إذا اللهم كان هناك خلاف عميق بين الجنرال وصهره في الخيارات السياسية المستقبلية، وما حدن يخيط بهالمسلة.
عليه ماذا بقي من التضامن الوزاري ومن قدرة الحكومة على العمل، غداة «ثورة» رئيسها نجيب ميقاتي على «اهل الفضل» قبل المعارضين، وطلبه طرح الثقة بالحكومة في جلسة مجلس النواب؟