لنفترض أن العهد نجح في إزاحة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من موقعه، بعد إدانته داخلياً أو خارجياً، بأيّ تهمة كانت، ولعل أقربها الى الواقع، ضياع الودائع، ووصول البلد الى حالة إفلاس لم تكن ممكنة التحقق لولا مضيّه في سياسة مالية استندت إلى رهانات، ربّما تكون خاطئة، كما تلك التي بنى عليها الرئيس رفيق الحريري سياساته الإعمارية “السلامية”، أي على ذلك السلام الذي لم يتحقق، بل إنّ الأسوأ من عدم تحقق الرهانات، هو إعادة تدمير المدينة – العاصمة التي جهد لبنائها وجعلها في مستوى عالمي.
إذن يتركّز رهان العهد منذ مدّة على إزاحة رياض سلامة، وهو أمر جائز إذا توافرت ظروفه، لكن المشكلة أنّ إعفاءه من مهمّته ليس بالأمر السهل، لأنّه يتمتّع، الى الحصانة، بالحماية القانونية، والغطاء السياسي، ولأنّ كلّ الأطراف، بمن فيهم ممثّلو العهد في الحكومة، صادقوا على التجديد له.
لسنا في وارد الدفاع عن الحاكم، لأنّ الأمر غير شعبي حالياً، بعدما تخلّى عنه كثيرون، وخسر الهالة التي كانت تحيط به، تماماً كما حصل مع كلّ الرؤساء والزعماء والوزراء والنوّاب منذ انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 التي حطّمت قيوداً وأسقطت محظورات.
لكن الحقيقة تبقى للتاريخ، أنّ السياسة التي اعتمدها الحاكم، كانت برضى الحكومات ومجالس النوّاب المتعاقبة، وبمراسيم وقوانين، وبالتالي فإنّ الجهة المشرّعة هي المسؤولة، وهي المجرمة، أي إنّ النواب الذين اعترضوا على إجراءاته منبرياً وإعلامياً، وصادقوا ضمناً على القوانين، ليسوا شركاء في الجريمة فقط، بل مجرمون. وإن كان الحاكم اعتمد تلك السياسات بإرادة منه، في غياب أيّ رؤية مالية للدولة اللبنانية بمجلسيها الوزاري والنيابي، فلا يمكن محاسبته عليها، إذ كيف لسلطة أن تحاسب موظفاً لم تحدّد له طبيعة عمله، ولم تحدّد له الخطوط العريضة، ولا الخطوط الحمر.
أمّا بعد، فإنّ من الضروري التفكير في الـ”ما بعد رياض سلامة”، على افتراض حصوله، في وقت قريب، فأيّ خطة للتعافي المالي يمكن أن ينفّذها مصرف لبنان في المرحلة المقبلة؟ هل يقع العبء عليه أم على الحكومات؟ وعلى مجلس النوّاب؟ هل تمّ الاتفاق الضمني على شخص بديل يتمتع بثقة دولية وعربية، يمكن أن يتحرّك بسرعة قياسية شرقاً وغرباً؟ أم يدور الخلاف حول الخلف ويتعمّق الفراغ والانهيار؟
ما الخطّة لاستعادة الودائع الضائعة، التي للحقيقة لم تعد موجودة… ومن سيضع تلك الخطّة؟ هل يُعيّن حاكم جديد ويُترك لمصيره في هذه المرحلة الحرجة، فيفشل ويفشل البلد معه، أو بالأحرى يتعمّق الفشل؟ أم تسقط عليه الخطط، ومنها مطالبات سخيفة بتفليس المصارف وإنشاء مصارف جديدة، وكأنّ المستثمرين يتهافتون للاستثمار في لبنان، اللهم إلا إن كانت النيّة لتوسيع مجال “القرض الحسن” ومثيلاتها للسيطرة على السوق المالي وضرب القطاع المصرفي.
إنّ جعل إزاحة رياض سلامة هدفاً في ذاته خطأ كبير، اذ يجب أن تكون إقالته لتنفيذ خطّة مالية متفق عليها، واضحة، رؤيوية، إنقاذية، مستقبلية، تشاركية… فلا تعتمد قاعدة “قوم تا اقعد مطرحك”، وتلازمنا مقولة “ما خلونا”.
يبقى السؤال: هل من خطّة؟ أين هي؟ ولماذا لا تُعرض على اللبنانيين، فتبيّن أخطاء الماضي، وتحدّد المسؤوليات، ويُفضح الحاكم أمام الرأي العام إن كان معطّلاً أو مهملاً، أو يعاد إليه اعتباره، فيحاسب من يجب أن يحاسب.