لبنان واقع في قلب أزمة متعددة الأبعاد وما يزيد الحفرة عمقاً وسواداً هو يقين اللبنانيين أنهم ليسوا فقط متروكين لقدرهم لا بل إن الحكومة الحالية تضع الخطَط في السرّ والعلن لحرمانهم من ودائعهم بعد أن أوصلتهم الحكومات السابقة إلى قعر أزمة إقتصادية وصفها البنك الدولي بأنها «من بين الأزمات الثلاث، الأكثر حدّةً عالميّاً منذ أواسط القرن التاسع عشر.»
موجات الخطط الحكومية، واقتراحات قوانين الكابيتال كونترول المشبوهة الواحد تلو الآخر كما مراحل الإنهيار المتعمّد جميعها تشبه هجمات الضباع على الفريسة فهي تتحلّق وتكرر المحاولة مرّة بعد مرّة إلى أن تنجح أو يُكسر رأسها وتهرُب.
ولكي ننتهي من حلقة الرقص مع ضِباع المنظومة التي لا تكفّ عن محاولاتها، المطلوب خطة بديلة أو خارطة طريق خمسيّة مبنية على منطق واضح تجمع بين مصلحة لبنان واللبنانيين وشروط الجهات الدولية وصندوق النقد تحديداً. ثماني خطوات ضرورية هي التالية:
١ – إلغاء السرية المصرفية
بكل بساطة، السرية المصرفية فقدت علّة وجودها وما بقاؤها الآن سوى تغطية للإرتكابات التي حصلت على مدى عقود. صحيح أن أكثر المستفيدين من جماعة المنظومة كانوا أكثر حذراً من بقيّة اللبنانيين وقاموا بتهريب أموالهم إلى الخارج لكنّ زوال السرية المصرفية سوف يفتح الطريق للتدقيق بجميع الحسابات وكامل حركتها على مدى السنوات.
٢ – التدقيق بجميع الحسابات البنكية
بعد إلغاء السرية المصرفية يجب تطبيق التدقيق الجنائي على جميع الحسابات والقيود المصرفية بهدف فصل الودائع الشرعية والنظيفة عن الأموال المشبوهة أو العائدة لأشخاص عملوا في القطاع العام أو مع القطاع العام أو ثبتت عليهم شبهات اختلاس أو تبييض أموال. فيجب على هذه المجموعة الأخيرة من أصحاب الأموال تقديم إيضاحات وافية حول مصادر وحركة حساباتهم وألّا يستمرّ حجزها أو تتم مصادرتها. عمليّة التدقيق هذه بالغة الأهمية لأنها تفتح باب الحلول لمعضلتين كبيرتين، وهما إعادة الودائع الشرعية بكاملها وبعملتها الأساسية والأمر الثاني هو بدء المحاسبة في مسائل الفساد والجرائم المالية.
٣ – كابيتال كونترول حقيقي
إذا كان لا بد من قانون كابيتال كونترول بعد ثلاثين شهراً من التأخير المتعمّد فلنذهب إلى قانون مفصّل يشمل جميع الأموال الموجودة داخل البلاد سواسية فلا جديد ولا قديم ولا نص نص. قانون يحدد سقوفاً للسحب بعملة الحسابات ومربوط بوقف شبه تام للاستيراد إلا للضرورة القصوى. مع التذكير أن لا كابيتال كونترول من غير ربطه بخارطة طريق واضحة لإعادة أموال المودعين وترشيد الإستيراد.
٤ – خمسة مصارف جديدة
لا يمكن للاقتصاد أن يتحرك من جديد من دون مصارف عاملة تؤمّن خدمات مصرفية متكاملة. وهذا الأمر لن يكون متاحاً مع مصارف الزومبي الحالية ومجموعة الخيارات السيّئة التي أخذتها وما زالت. يجب الذهاب مباشرةً إلى التفاوض مع خمسة مصارف أجنبية وعربية لتقديم الخدمات المصرفية الشاملة للإقتصاد وللأفراد وبضمانة بلدانها وتحت رقابتها إلى حين الانتهاء من ترتيب وضع النظام المصرفي اللبناني من مصرف مركزي وبنوك.
٥ – تنظيف القطاع المصرفي اللبناني
بينما تؤمّن المصارف الخمسة العمل المصرفي الضروري لحسن سير الإقتصاد تتم إعادة هيكلة وتنظيم المصرف المركزي وإعادة بناء المصارف المحلية ضمن خمسة مصارف سليمة وقادرة على الحياة.
٦ – المحاسبة العادلة
إنشاء «المحكمة المالية الإقتصادية» من قضاة متخصصين ومهمتها التدقيق الموازي في جميع الإرتكابات المالية والنقدية وتحديد المسؤوليات ومعاقبة المسؤولين بتحميلهم نتائج أعمالهم من ثرواتهم الخاصة وحريّتهم الشخصية. تكون من مسؤوليات هذه المحكمة ملاحقة المتهربين الموجودين خارج لبنان والإشراف على التسويات وعمليات التصريح الطوعي عن الأموال المختلسة والمهربة.
٧ – الصندوق السيادي للإستثمار
إنشاء صندوق سيادي لإدارة استثمارات معيّنة توضع فيه الأموال المصادرة في الداخل والأموال المسترجعة من الخارج. توكل إلى هذا الصندوق إدارة الشركات المملوكة من مصرف لبنان والدولة وقطاعات وأملاك عامة مختارة دون إمكانية تسييلها بحيث تبقى ملكية الدولة لها محمية بالقانون. تستعمل عائدات الصندوق لدفع ديون الدولة اللبنانية كما للإستثمار في مجالات محددة وقطاعات جديدة.
٨ – محركات الدفع الاقتصادية
كل ما تم ذكره في النقاط السابقة يبقى معالجات متأخّرة لاقتصاد كان يمكن تطويره وجعله مركز جمع للبلد ومنطلق رؤيته الإستراتيجية. لبنان بحاجة إلى التركيز على «محركات دفع اقتصادية» تختصر الوقت اللازم لإعادة النهوض عبر تركيز الجهد على مجالات معينة يتم تركيزها في نقاط جغرافية مختارة بعناية إلى أن يتعافى الاقتصاد الوطني عامةً. اقتراحنا لمحركات الدفع هو إقامة مناطق حرة للتكنولوجيا وتوجيه الإقتصاد ليكون «إقتصاد إبداع معرفة» إضافةً إلى تحديث القطاعات الموجودة.
هذه خطوات بديهية وقابلة للتطبيق وفوق ذلك معظمها مطلوب من الجهات المانحة كما يدّعون. أمّا ما يتمّ طرحه من الحكومة ولجان المستشارين يتنافى تنافياً تامّاً مع مصلحة اللبنانيين والمودعين خصوصاً بعد انكشاف خدعة «التوزيع العادل» بعد نشر خطة الحكومة لتحميل المودعين نتائج ثلاثين عاماً من الفساد والفشل واستسهال سرقة الناس عوض البحث عن حلول جديّة يبنى عليها مستقبل جديد نريده أفضل للبنانيين.