كان من المفترض أن تكون الجلسة النيابية في الأمس جلسة عادية يختتم فيها مجلس النواب الحالي المنتخب في العام ٢٠١٨ أعماله ليفتح الأبواب أمام مجلس جديد يأمل منه أن ينتشل البلاد من مستنقع الجمود واللاحركة وعدم القدرة على الإنتاجية.
وكان من المفترض أن يتم البحث جديا بقانون “الكابيتال كونترول” الذي مهما قيل وحيك حوله من نظريات واتهامات، يؤكد مختلف الاقتصاديين أن غيابه سيقضي على ما تبقى من أموال ومودعين وكرامات متطايرة على وقع الخطابات الرنانة هنا وهناك.
من هنا جهدت الحكومة للتعاون مع المجلس النيابي لاقرار اقتراح قانون “الكابيتال كونترول”، لكن مع الاسف، تم التعامل معه كأي قانون عادي واحيل للدرس من جديد وكأن البلاد تعيش عصر الرخاء والبحبوحة.
وكان من المفترض أيضا أن تمر الجلسة مرور الكرام، نظرا لانشغال النواب بحملاتهم وبلوائحهم التي يتسابقون مع الوقت لاعلانها مكتملة في الأيام القليلة المقبلة.لكن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، خرج في مستهلها عن النسق العام الروتيني ليسمي الأشياء بأسمائها وطالب بطرح الثقة بالحكومة بدلا من التصويب عليها إعلاميا وسياسيا.
وهنا نقطة تسجل لميقاتي، إذ غالبا ما تسير الأمور في البلاد بشكل لا يمكن فهمه، فترى البعض مشاركا في الحكومة والحكم والسلطة وفي الوقت عينه تراه معارضا ومشاكسا واقرب بشخصيته إلى المناضل “تشي جيفارا”، فتتداخل المعطيات على المواطن ومع تداخلها تتفرمل عجلة الإنتاج والحكم.
وعبر طرح ميقاتي هذه الإشكالية لربما ذكّر الجميع بمكانتهم وبتموضعهم السياسي وبالدور الواجب ان يلعبوه لدفع البلاد نحو ميناء الخلاص.
أما في ما يخص الانتخابات النيابية، فيبدو أن الأضرار ستكون جسيمة على بعض القوى والتيارات والأحزاب، فالمسار الذي بدأ منذ قرابة الثلاثة أشهر مليء بأسباب التعطيل المباشرة وغير المباشرة.
وبعد فشل المحاولات التعطيلية المختلفة، اعتقد البعض أنه قادر بالدفع نحو استقالة الحكومة وبالتالي نحو الدخول في مرحلة الأمر الواقع التي تشكل خلاصا أكيدا من عقاب الشارع الذي قد لا يرحم من حرمه الكهرباء والحليب والبنزين والدواء.
وهنا أيضا نقطة تسجل لميقاتي عبر قطعه الطريق على كل من يغرّد في هذا الاتجاه مؤكدا أن المهمة ستستكمل والانتخابات ستجري في موعدها المحدد والمعلن.
وعبر إعلانه هذا، دفع ميقاتي بزخم عجلة الوصول إلى استحقاق أيار إيمانا منه بضرورة إفساح المجال أمام الناس لتحديد مصيرها وللتعبير عن رأيها في صناديق قد تؤسس لمرحلة جديدة في البلاد.
وفي تصريحه هذا، نشّط ميقاتي ذاكرة البعض الذي نسي أو تناسى أن رئيس الحكومة سيد نفسه ويستمد شرعيته من مجلس النواب مجتمعا ومكتملا ولا يمكن لأي طرف مهما تعاظم دوره أن يحدد اتجاهات رئيس الحكومة الذي يعلم متى تقتضي المصلحة الوطنية أن يشكل حكومته ومتى تقتضي أن يعلن استقالتها، كما يعلم تماما متى تقتضي المصلحة العامة ان يؤجل الدعوة الى انعقادها منعا لانفجارها وانفجار البلاد معها.
وما بدا لافتا في كلام رئيس الحكومة الصريح والعفوي في الأمس هو وضعه الأصبع على الجرح بكل ما للكلمة من معنى، فالمشكلة الأم في البلاد أن الجميع يتنافسون وفقا لمبدأ “النكايات” و”خربلي تخربلك” وعلى الرغم من الوصول إلى قعر جهنم، ما زال البعض يعتقد أن سياسية التخريب قادرة أن تؤمن له شعبوية شبيهة بالصفوف الطويلة التي شهدتها محطات البنزين في الأمس القريب والبعيد.
في الخلاصة، قالها ميقاتي من دون قفازات وبصريح العبارة، لا بد من الاتحاد للخروج من الأزمة التي سبق له وصارح اللبنانيين بمدى صعوبتها وعمقها.