عكس كلام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في بداية الجلسة العامة يوم أمس، حين دعا الى طرح الثقة بحكومته، انزعاجا كبيرا مما حصل في اجتماع اللجان المشتركة التي ناقشت اقتراح قانون “الكابيتال كونترول” والتي حالت الاعتراضات الشكلية للنواب عليه دون الانتقال إلى مناقشة مضمونه. وبالتالي فإن كلامه سيشكل على الأرجح بداية لسلسة مواقف ضاغطة سيمارسها الرئيس ميقاتي تجاه رئيس مجلس النواب نبيه بري والكتل النيابية بهدف إقرار عاجل للكابيتال كونترول.
لقد أشارت الحكومة مرارا إلى أن إقرار الكابيتال كونترول يعتبر أحد شروط صندوق النقد الدولي لإعطاء لبنان المساعدات المطلوبة، فضلا عن أن إقرار القانون بحد ذاته يشكل ضرورة لضبط أداء المصارف تجاه المودعين على مستوى السحوبات والتحاويل.
وفق مصادر نيابية، تبدو الأخطاء متبادلة بين الحكومة والكتل في المجلس النيابي، فالحكومة لم تراع الأصول الشكلية في التعاطي مع المجلس النيابي، ففي المرة الأولى وزعت مسودة للكابيتال كونترول لا تتضمن أي امضاء من قبل أي من النواب، فلم يكن واضحا ان كانت اقتراح قانون أو مشروع قانون إلى أن تبنى النائب نقولا نحاس التوقيع على هذه المسودة التي وزعت على النواب أثناء انعقاد جلسة اللجان المنعقدة كاقتراح قانون، علما أن الاصول تستدعي توزيعها قبل 48 ساعة، ثم أعادت الحكومة الخطأ ذاته في الأيام الماضية عندما قامت بتوزيع الملاحظات أثناء انعقاد الجلسة نفسها فلم يعرف النواب ما هي الصفة القانونية لهذه المسودة، هل هي اقتراح قانون غير موقع أم مشروع قانون لم يأخد المسار القانوني المفترض، إلى أن أوضح نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي أن هذه الورقة بمثابة ملاحظات جرى انضاجها مع صندوق النقد بناء على طلب النواب في الجلسة السابقة. لكن في حقيقة الأمر لم تكن الورقة مجرد ملاحظات انما مشروع متكامل للكابيتال كونترول يتضمن أفكارا جذرية جديدة بالغة الأهمية ومن المتعذر على النواب بلورة موقف منها على عجل، ذلك أن هذه المسودة أضافت عنوانا جديدا لم يكن واردا في الأوراق السابقة يتصل بسوق القطع، كما ضمنت المسودة افكارا جديدة من قبيل تشكيل لجنة يرأسها رئيس مجلس الوزراء وتمتاز بصلاحيات واسعة. في مقابل كل ذلك أصر النواب على أن تسترد الحكومة المسودة لمناقشتها في مجلس الوزراء كمشروع قانون يتم احالته وفق الاصول الى البرلمان.
لقد بالغ النواب، في نقدهم لمسودة الحكومة للكابيتال كونترول ولم يكن مفهوما اعتبار البعض للمسودة بأنها لقيطة وليست كابيتال كونترول. فبدا النواب وكأنهم ليسوا على عجلة من أمرهم متناسين أن البلد على عتبة انهيار مريع وأن المسؤولية تستدعي التعاطي بطريقة مختلفة بعيدة عن الحسابات الشعبوية والاستثمار الانتخابي.
من المرجح أن ينجز مجلس الوزراء مشروع قانون الكابيتال كونترول وأن يحال إلى البرلمان في أسرع وقت. وهنا لن يكون أمام النواب من حجة لتأجيل البحث في الكابيتال كونترول إلى ما بعد الانتخابات النيابية. والكلام العالي النبرة الذي أطلقه رئيس الحكومة أمس، وضع النقاط على الحروف وحشر المجلس النيابي ورمى إليه كرة المسؤولية في إعاقة أو تسهيل جهود الحكومة في المفاوضات مع صندوق النقد لإطلاق مسار التعافي المالي والاقتصادي، مع اعتبار أوساط سياسية أن مواقف الرئيس ميقاتي عبرت عن غضب يكتنفه من مقاربة القوى السياسية للملفات المالية والاقتصادية وفق مصالحها وأوضاعها الراهنة وحساباتها التي تعطل الحلول للنزاع القضائي- المصرفي، هذا فضلا عن أن ما يحصل مؤشر إلى أن هذه القوى تسعى إلى تمديد الأزمة بتأجيلها البت بالمشاريع المالية المتصلة بالتفاوض مع صندوق النقد الى ما بعد الانتخابات غير ابهة بأوضاع اللبنانيين.
الأكيد أن رئيس الحكومة لن ينساق الى الاستقالة كي لا تكون مبررا لتعطيل الانتخابات، لكنه كان جدا في طلبه طرح الثقة بالحكومة، لوضع الجميع أمام مسؤولياتهم في ظل تمادي بعض الكتل النيابية في التعطيل.