بعيداً عن شبهة الكيدية والاستنسابية وذهنية الكيل بمكيالين في ميزان العدالة، تأتي الملاحقات القضائية لحاكم المصرف المركزي رياض سلامة في أوروبا لتضعه تحت مجهر قضاء منزّه عن التسييس، يحترم نفسه ويقدّس مهمته، ولا يرقى شكّ إلى مصداقيته ولا تشكيك بنزاهته وغاياته، وهذه بالتحديد نقطة قوة التحقيقات الأوروبية الجارية بشأن شبهات مالية تحوم حول ثروة سلامة، بخلاف نقاط ضعف التحقيق القضائي اللبناني الذي تقوده القاضية غادة عون ضده بإيعاز سياسي مفضوح بغية “قبعه” عن كرسي الحاكمية واستبداله بأحد الأزلام الموالين للعهد وتياره.
وأمس، “بدأ عملياً الخناق الأوروبي يضيق على حاكم مصرف لبنان بشكل سيسرّع حكماً الخطوات الآيلة إلى تنحيه أو تنحيته نظراً لكون استمراره في منصبه أصبح ضرره على النقد الوطني أكبر من الضرر الناتج عن رحيله”، وفق ما رأت مصادر مالية، موضحةً أنّ “مجرد وجود أي شبهة قضائية دولية على أي حاكم مصرف مركزي يفرض استبعاده منعاً لتمدد تأثيرات هذه الشبهة على موقعه”… وعليه، أكدت المصادر أنّ إعلان وحدة التعاون القضائي الأوروبية “يوروجاست” تجميد أموال لبنانية على ذمة التحقيق في قضية “تبييض أموال واختلاس أموال عامة”، يوجب “البحث جدياً وسريعاً في إيجاد البديل لسلامة” نظراً لاستحالة استمراره في منصبه إثر ورود اسمه كواحد من المشتبه بهم في هذه القضية.
وعلى الرغم من عدم ذكر التقرير القضائي الأوروبي أسماء المشتبه بهم والجهات التي جرى تجميد أصول تعود لها بقيمة 130 مليون دولار مع مصادرة 5 عقارات ذات صلة بالقضية، للاشتباه باختلاس نحو 330 مليون دولار و5 مليون يورو من الأموال العامة جرت مصادرتها في كل من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ وموناكو وبلجيكا، إلا أنّ المصادر المالية أعربت عن قناعتها بأنّ “أصابع الاتهام الأوروبية موجهة في هذا الملف مباشرة إلى حاكم مصرف لبنان وشقيقه نظراً للروابط الخاصة بين المبالغ المصرّح عن مصادرتها وبين المبالغ الواردة في حسابات شركة “فوري أسوشيتس” التي تعود ملكيتها لرجا سلامة”. علماً أنّ بيان القضاء الأوروبي أورد أنّ الأصول المصادرة تضمنت ممتلكات في هامبورغ وميونيخ الألمانيتين بنحو 35 مليون يورو، ومجمّعين عقاريين في باريس قيمتهما 16 مليون يورو وحسابات بنكية في موناكو قيمتها 46 مليون يورو، ليبتيّن وفق الادعاء العام في ميونيخ أنّ بيان “يوروجاست” متصل فعلاً بالتحقيقات الجارية حول حسابات وممتلكات حاكم المصرف المركزي اللبناني في 5 دول أوروبية.
أما في جديد ملف “الكابيتال كونترول”، فيستمر تقاذف الصيغ والاقتراحات من دون بلوغ أي نتيجة عملية تتيح إنقاذ ما تبقى من أموال المودعين، فكانت النتيجة مجدداً أمس “راوح مكانك” بحسب تعبير مصادر نيابية، في معرض تعليقها على إجهاض المجلس النيابي “الصيغة اللقيطة” التي طرحت على طاولة اللجان النيابية المشتركة “ولم تراع مصلحة المودعين ولا الأصول الدستورية والقانونية”. وعلى الأثر، استقر الرأي النيابي على ضرورة “تحمّل الحكومة مسؤولياتها وإعداد مشروع قانون متكامل للكابيتال كونترول في سياق مترابط مع خطة النهوض والتعافي التي ستلتزم بتنفيذها أمام صندوق النقد الدولي”.
قضائياً، استرعى الانتباه أمس إقدام النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات على إلغاء قرار النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان والذي كانت أصدرته القاضية عون وأحالته إلى المديرية العامة للجمارك ومنعت بموجبه 6 مصارف من تحويل الأموال إلى الخارج. وأوضحت مصادر قضائية أنّ خطوة عويدات “تنزع مفاعيل قرار عون بشكل فوري فتجعله كأنه لم يكن”، مشددةً على أنّ “توقيت هذه الخطوة كان مرتبطاً بتقديم المصارف المعنية استدعاء لدى النائب العام التمييزي لإبطال القرار ولم يكن مرتبطاً بأي معطى آخر”، مع الإشارة في هذا المجال إلى أنّ “دور النائب العام التمييزي في هذا الملف انتهى عند تصويب الأمور لجهة تحديد الصلاحية والمرجع الصالح بموجب القوانين المصرفية، وعدم جواز أخذ النيابات العامة بالتدابير الاحترازية من دون وجود حكم يصدر في الأساس، على أن تعود الكرة إلى ملعب الحكومة لإنجاز الخطة التي يعدها وزير العدل بشأن قضية المصارف وإشكالياتها مع المودعين”.
المصدر : نداء الوطن