في الأيام القليلة الماضية، جرى التداول بصيغة جديدة لاقتراح قانون يهدف إلى وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقديّة، من دون أن يحمل أي توقيع. لكن جهات متقاطعة لفتت إلى أن البصمات الأساسية فيه تعود إلى نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، فيما أكدّت مصادر قريبة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن «القانون هو نتاج المفاوضات مع صندوق النقد وبالتوافق معه على تفاصيله، وبناء على توصية من الصندوق بالتركيز على مسألتين: ضبط الإنفاق لناحية خفض الاستيراد والاستهلاك، وإبقاء هامش من المرونة في القانون يسمح بإدخال تعديلات عليه وبالتعامل مع حالات وصفها الصندوق بالخاصة». يومها سُجلّت الملاحظات خلال الاجتماعات باللغة الإنكليزية، بحسب المصادر، إلا أن «ترجمة النص إلى العربية حوّرت بعض النقاط وأفضت إلى مغالطات أبرزها تلك المتعلقة بالصادرات، لذا عمل الشامي بالتعاون مع فريق من مستشاري ميقاتي في اليومين الماضيين على إعداد مسودة معدلة سيجري توزيعها على النواب قبيل جلسة اللجان المشتركة اليوم».
وتتركز التعديلات على المادة السابعة المتعلقة بإعادة الأموال المتأتية عن الصادرات، خصوصاً الشق الذي يتحدث عن عدم اعتبار عائدات التصدير أموالاً جديدة (أو بمعنى آخر «فريش») على أن يعود «للجنة» المعنية بتطبيق القانون تقرير آلية استخدام العملات الأجنبية الناتجة من عائدات التصدير. فالاقتراح بشكله المتداول، سيؤدي إلى وقف الصناعيين عن العمل، وإقفال باب الاستيراد نهائياً أو أقله ربطه برأي اللجنة وبما تراه مناسباً، وسيقضي على أي أمل بمحاولة تصحيح الخلل في الميزان التجاري. وثمة من يقول، في المقابل، إن ثمة حاجة لضبط حركة أموال التجار الذين «هربوا» الدولارات عبر إبقائها في الخارج وأن القانون المترجم بطريقة خاطئة يهدف إلى ضبط هذه الدولارات ومنع إخراجها وتحديد وجهة استخدامها في شراء المواد المحددة بإشراف من اللجنة.
هنا يفترض الإشارة إلى أن الاقتراح، المكتوب بلغة ركيكة وعلى عجل، يركز في بدايته على تحديد أهداف القانون وتعريفات المصطلحات الواردة فيه من دون أن يذكر من هي اللجنة، بل استمر في ذكرها بين مزدوجين إلى أن أوضح هوية أعضائها ومهامها في المادة الثامنة! ووفق القانون، اللجنة التي ستنشأ مؤلفة من «وزير المالية، وزير الاقتصاد والتجارة وحاكم مصرف لبنان، ويرأسها رئيس مجلس الوزراء أو وزير ينتدبه هذا الأخير». وتحوز اللجنة صلاحيات استثنائية وتشريعية ملزمة ونهائية تماماً كتلك التي طلبها وزير المال يوسف خليل في قانون الموازنة، أي لتفرض سطوتها وقرارها على حركة «نقل الأموال عبر الحدود وبالتحاويل وبمدفوعات الحساب الجاري وبعمليات القطع وتحديد سقوف للحسابات النقدية وبإعادة الأموال المتأتية عن عائدات الصادرات وغيرها من التدابير الخاصة المتعلقة بسعر صرف العملات الأجنبية، ويتم نشر القرارات التي تعدها من خلال تعاميم تصدر عن مصرف لبنان».
منتقدو المشروع يرون أن اللجنة التي تضم الأشخاص والجهات نفسها التي أوصلت البلاد إلى الانهيار، وكانت سبب تبديد الودائع وإجراء هيركات عليها، وأبرزهم رياض سلامة، هي من ستفوّض بإدارة الحل المرتقب للأزمة عبر فرض «كابيتال كونترول». لكن هناك وجهة نظر ثانية، تشير إلى أن الطروحات المتعلقة بتطبيق القانون، تتمحور حول ثلاثة خيارات: أن يطبقها مصرف لبنان، أو أن تطبقها لجنة مشتركة كالمطروحة في هذا المشروع، أو أن تطبق من قبل جهة ثالثة «حيادية»، وهذا دونه عقبات واسعة قانوناً ومنطقاً. لذا، الاقتراح الأفضل أن تكون هناك لجنة من الجهات المعنية، حتى لو كان بعض من يشغلها حالياً مشتبها في أنه يعمل لحساب سلامة أو تحت إمرته أو ضمن أهدافه.
على أي حال، يأتي هذا القانون بعد تهريب مبالغ ضخمة تصل إلى 19 مليار دولار بعلم وموافقة سلامة نفسه. وقد استمرت المصارف بممارسة التهريب حتى الساعة، فيما تحرم المودعين الصغار من دولاراتهم! هنا يحضر تساؤل بارز حول أهمية قانون مماثل؛ فإذا لم يكن هذا القانون جزءاً من خطة تعاف مالي، من سيستفيد منه باستثناء المصارف طالما أنه ينص على «ليلرة» الودائع في المادة السادسة، أي تأكيد بأن الدولارات طارت وتحميل مغبة هذه الخسائر للناس وتحديد سقف سحوباتها في المادة الخامسةبـ 1000 دولار شهرياً؟ ففي غياب أي سعر موحد للدولار، ستتعرض الودائع لمزيد من «الهيركات» عبر ربط سحبها بمنصة صيرفة في حين أن سعر السوق الموازية قد يكمل ارتفاعه بلا سقف. المشكلة الرئيسية، وفقاً للخبراء، ليست في اللجنة ومهامها بل في الأشخاص، «فمن الطبيعي أن يكون مصرف لبنان طرفاً أساسياً في أي قانون يتعلق بالسحوبات المصرفية والنقدية ولكن لأن اسم حاكم المصرف هو رياض سلامة، ولأن رئيس اللجنة هو رئيس الحكومة الراعي الرسمي لسلامة والمصارف وحارس هيكلهم، عندها يصبح الاعتراض مبرراً». الأمر نفسه ينسحب على الموظف لدى الحاكم، وزير المال يوسف خليل. وتشير المعلومات إلى أن فريق رئيس الحكومة والمفاوضين اقترحوا في البداية أن يكون مصرف لبنان ووزارة المالية هما الطرفان المعنيان بتطبيق هذا القانون، إلا أن صندوق النقد اعترض على هذا الطرح فتمّ اقتراح هذه اللجنة. كذلك من ضمن التعديلات التي سيجريها الشامي وفريق ميقاتي على القانون تقصير مدته من 5 سنوات إلى 3 سنوات.
قوبل القانون المتداول به بطريقة غير رسمية برفض غالبية الكتل النيابية التي ستناقشه في اللجان المشتركة اليوم. المسودة «هبطت» فجأة من دون أن يكون لها «أب»، لكن جرى التسويق له من فريق ميقاتي، وبشكل أدق سعادة الشامي، باعتباره قانون «صندوق النقد»، وإزاء ذلك، سجّلت الكتل النيابية المواقف الآتية:
– كتلة الوفاء للمقاومة ستجتمع قبل جلسة اللجان، للبحث في الاقتراح، مؤكدة أنه لا يمكن الموافقة عليه بشكله الحالي.
– التيار الوطني الحر رفض المشروع، وقال النائب إبراهيم كنعان لـ«الأخبار» إن الصيغة المتداولة مرفوضة لأنها تمنح اللجنة صلاحيات استثنائية ولا تحمي حقوق المودعين وتجمّد أموالهم ولا تسمح لهم سوى بسحب ألف دولار شهرياً. ويؤكد كنعان أن الاقتراح لم يصل حسب الأصول وفق مشروع قانون مقدم من الحكومة أو بإمضاء أحد النواب عليه بل «سقط» من حيث لا ندري. وعما إذا كان على علم أنه يحمل موافقة صندوق النقد، أجاب أن التيار ضدّ هذه المسودة ولو كانت تحمل موافقة الصندوق، مشيراً إلى «أنهم» كل ما أرادوا تمرير مشروع يدّعون أنه من صندوق النقد. وقال النائب ألان عون: «إننا بانتظار المسودة الجديدة التي يعملون عليها وسنتخذ موقفاً منها بعد دراستها».
– النائب ياسين جابر، لفت إلى أن الرئيس نبيه بري وحركة أمل مع «الكابيتال كونترول ومع كل ما يحمي أموال المودعين». ويؤكد أن «الاقتراح المعجّل بحاجة إلى تعديل لأنه غير مقبول كما هو»، مشدداً على أن هذا الموقف يعبر عن موقفه الشخصي فقط.
– يعارض الحزب الاشتراكي الصيغة المطروحة. إذ يقول النائب بلال عبدالله لـ«الأخبار» إن «الاشتراكي مع الكابيتال كونترول بالطبع ولكن بالمقترح المتداول نحن ضد كل ما يطاول المودعين وخصوصاً الصغار منهم وضد إلزامهم بالليرة اللبنانية، ونعترض على الصلاحيات الواسعة جداً لهذه اللجنة».
– كتلة تيار المستقبل ستعقد اجتماعاً لاتخاذ الموقف من هذا القانون الذي لم يصلها إلا ليل أمس.
– «الأخبار» حاولت الاتصال بالنائب في حزب القوات اللبنانية جورج عدوان لكنه لم يجب.
الاخبار