بعد سلسلة اجتماعات كادت تنتهي بالفشل بسبب تجاذبات بين رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبّود وسائر أعضائه، نجح المجلس في الاتّفاق على ملء الشغور في رئاسات بعض غرف محاكم التمييز، فتمّ تعيين القضاة ناجي عيد، ماجد مزيحم، سانيا نصر، أيمن عويدات، حبيب رزق الله ومنيف بركات، رؤساء لتلك الغرف.
جاء توافق عبود والمدّعي العام التمييزي غسان عويدات على خلفيّة تردّي العلاقة بينهما وبين رئيسيْ الجمهورية والحكومة، ورفضهما تلبية دعوة إلى حضور جلسة لمجلس الوزراء. من جهته، يرغب رئيس الجمهورية بتصحيح ما يعتبره خطأه، وتعيين بديل عن عبود، فيما يرغب رئيس الحكومة بتعيين بديل عن عويدات. من جهة أخرى، تشكّ أجواء قصر العدل في أن تكون مثل هذه التعيينات قد فرضها التهديد الذي تعرّض له عبود وعويدات بإقالتهما.
كان الهدف من التعيينات ملء شواغر رئاسات غرف التمييز التي يؤلّف رؤساؤها الهيئة العامّة لمحكمة التمييز. والأخيرة تبتّ طلبات مخاصمة الدولة جرّاء الأخطاء الجسيمة التي يرتكبها القضاة وفقاً لقانون أصول المحاكمات المدنية. وملف هذه الدعاوى سبق أن اندرج في سياق الضغط السياسي والشعبي لإعادة ضخّ الحياة في مسار التحقيق في انفجار المرفأ.
تقول مصادر قضائية لـ”أساس” إنّ سبب إعاقة التعيينات سابقاً كان سببه رغبة القاضي عبود بتعيين رؤساء لغرف التمييز من بين القضاة المحسوبين عليه، وهم ناجي عيد ورندة كفوري وجانيت حنا، فيكون له معهم أربعة من أصل عشرة أصوات، مقابل الأربعة الآخرين الذين عُيّنوا، وهم القضاة حبيب مزهر وميراي حداد والياس ريشا وداني شبلي، المحسوبين على تحالف الثنائي الشيعي – التيار الوطني الحر، إضافة إلى مدّعي عامّ التمييز غسان عويدات ورئيس هيئة التفتيش القضائي بركان سعد اللذين يرجّحان كفّة الأكثرية متى دعت الحاجة.
جاءت الموافقة على تعيين القاضي ناجي عيد (ماروني) رئيساً لإحدى الغرف، لكنّ غسان عويدات وضع فيتو على رندة كفوري بعدما أقدمت على قبول طلب ردّ ضدّ المحامي العامّ لدى محكمة التمييز غسان الخوري، وتمّ استبدالها بمنيف بركات مدّعي عامّ البقاع.
بقي الخلاف قائماً حول رئيس الغرفة من الطائفة الأرثوذكسية، إذ تمسّك التيار الوطني الحر بتعيين كارول غنطوس رئيسة محكمة استئناف جنح بعبدا، لكن خالفه عبود مقترحاً تعيين جانيت حنا، وفي محاولة لفضّ الخلاف اقترح عفيف الحكيم، العضو الدرزي في مجلس القضاء الأعلى، سانيا نصر رئيسة محكمة الاستئناف المدنية في بعبدا، وأيّده في ذلك عضو مجلس القضاء الأعلى داني شبلي المحسوب على التيار الوطني الحر. واللافت في هذا السياق أنّ غسان عويدات وافق سهيل عبود على تعيين جانيت حنا، إلا أنّ مصلحة الجميع كانت تقتضي الحسم لمصلحة سانيا نصر. وقد تمّ تعيين أيمن عويدات خلفاً للقاضية رولى المصري التي بلغت السنّ القانونية، ومرّ تعيين القاضي ماجد مزيحم رئيساً لإحدى الغرف من دون أيّ إشكالات، وسيتمّ تعيينه وسامية نصر عضوين في مجلس القضاء الأعلى.
من مواقع رفيعة إلى مواقع أدنى
يعكس هذا الانتداب عدم التوافق على إجراء التشكيلات القضائية في المرحلة اللاحقة. وقد توضّحت خارطة الأحلاف في المجلس، فهناك حلف يتألّف من الياس ريشا وميراي حداد وحبيب مزهر وداني شبلي وماجد مزيحم وسامية نصر مقابل حلف سهيل عبود وناجي عيد، فيما يتمايز الأعضاء الثلاثة الباقون، رئيس هيئة التفتيش القضائي بركان سعد ومدّعي عام التمييز غسان عويدات والقاضي عفيف الحكيم. وبذلك يكون البساط قد سُحِب من تحت أقدام عبود في إجراء تشكيلات قضائية وفق توجّهاته وتعيين قضاة من المحسوبين عليه في المواقع القضائية المهمّة.
يبقى التساؤل عن مصير التحقيق في تفجير المرفأ، وعمّا إذا كانت قد تبلورت صيغة تسوية للخروج من المراوحة في الملفّ من خلال تعيين قاضٍ ثانٍ كمساعد للبيطار، في قضايا معيّنة، منها البتّ في طلبات إخلاء السبيل، بعدما أمضى الموقوفون فترة السجن المنصوص عليها في القانون بتهمة الإهمال الوظيفي… دون أن يدخل في صلب صلاحياته المسّ بأسس التحقيق، على أن يعيّن باقتراح من وزير العدل يرفعه إلى مجلس القضاء الأعلى..
المصدر : اساس ميديا