تفويت السلطة السياسية فرصة “دق حديد” الكابيتال كونترول في عز حماوة الأزمة مطلع العام 2019، جعل من عملية قولبة القيود على الرساميل غير المدروسة سبباً لكسر الاقتصاد. فالقانون يجب أن يأتي من ضمن الخطة الشاملة وتحت إشراف صندوق النقد الدولي ولفترة محدودة جداً. وعليه أن يساهم بإنعاش الاقتصاد وليس بهروب ما تبقى من رساميل وقطاعات منتجة. الفرصة لتحقيق الغاية من القانون ما زالت سانحة بحسب عضو مجلس إدارة جمعية الصناعيين بول أبي نصر. وذلك في حال تم العمل على تصحيح الأخطاء التي تضمنها القانون بحسب التوصيات التي ستخرج بها الهيئات الاقتصادية. وإلا، فان اعتماده بالشكل المطروح سيكون “النهاية الاقتصادية للبنان”، لانه سيقضي على ما بقي من اقتصاد شرعي، ومؤسسات وفرص لجذب المستثمرين وتحقيق التعافي والانتعاش.
قانون “وضع ضوابط إستثنائية وموقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية” أو capital control هو قانون قاس على الاقتصاد والمواطنين بطبيعته؛ لذا فهو يعتمد مباشرة مع بدء الأزمة ولفترة لا تتجاوز العام من أجل السيطرة على حالة عدم اليقين، و”أخذ النفس” لتطبيق الاصلاحات والانطلاق بخطة التعافي. أما أن يأتي القانون بعد ثلاث سنوات وبهذا الشكل “الجلف”، فيتحول إلى أداة تدميرية للاقتصاد، “تخلق المشاكل من دون أن يكون لديها أي نوع من الايجابيات”، بحسب بول أبي نصر. فالقانون يحوي مغالطات كثيرة على المستويين القانوني والاقتصادي. وفي مقدمها أنه يترك مصير البلاد والعباد بيد “اللجنة”، وهي الهيئة التي تتشكل من وزيري الاقتصاد والمالية وحاكم مصرف لبنان ويرأسها رئيس الحكومة أو من ينتدبه من الوزراء، وتكون المسؤولة عن القرارات المصيرية وشكل الاقتصاد وحاجاته وكيفية تلبية متطلباته.
في ما يتعلق بالصناعيين وبالمصدرين تحديداً، فان القانون يلزمهم بإعادة عائدات التصدير، التي لا تعتبر أموالاً طازجة fresh account، إلى المصارف اللبنانية. الامر الذي سيدفع بالصناعيين والمصدرين إلى عدم التفكير مرتين بالانتقال إلى خارج لبنان. فـ”لا يكفي الصناعي تحمله كل المشاكل من ناحية انعدام الكهرباء، وعدم توفر المحروقات، وغياب البنى التحتية، وصعوبة النقل، وتسكير أسواق الدول العربية نتيجة القرارت السياسية، وعدم ضبط الحدود”، بحسب أبي نصر، “لنعود ونضيق أكثر على إمكانية الصمود في ظل هذه الأوضاع الصعبة”.
مقترح القانون بشكله الحالي يحد بشكل كبير من عمليات الاستيراد، من دون أن تكون هناك خطة اقتصادية. الأمر الذي يخلق ضرراً بالغاً بالاقتصاد، ويفرغ رفوف المحلات ويشجع على تهريب السلع التي ستباع بأغلى الأسعار… “فالسيطرة على عجز الميزان التجاري لا تكون بالوسائل النقدية”، برأي أبي نصر، ” إنما بالوسائل المالية، الضرائبية والجمركية”.
لعلّ من أخطر ما تضمنه مقترح القانون هو عدم اعتباره النقد بالدولار banknote خارج المصارف أموالاً طازجة، بمعنى أن من يملك العملة الورقية الأجنبية لا يستطيع وضعها في المصرف وطلب تحويلها إلى الخارج، ما يؤدي إلى ضرب المصارف والأفراد والمنتجين والمصدرين ويشجع على التهريب بالوسائل الشرعية وغير الشرعية، أي أنه يغذي الاقتصاد النقدي الاسود.
القانون الذي أتى بشكل أو بآخر كرد فعل على بدء تدحرج كرة الدعاوى الأجنبية على المصارف اللبنانية، “لا يمكن اعتماده وولد ميتاً”، بحسب مصادر نيابية، ومن هنا، ونظراً لأهمية وجود قانون “كابيتال كونترول”، فإنّ الهيئات الاقتصادية بصدد طرح تعديلات بناءة وتحسينية بامتياز على القانون، ليعود ويطرح بصيغة مقبولة تحقق الهدف منه.
نداء الوطن