بات من المرجّح أن تجري الإنتخابات النيابية المقبلة في 15 أيار وفق الموعد الدستوري، بعدما بقيت فرضيةُ تأجيلها مطروحة، سواء بسبب تخوّفٍ حقيقي من التأجيل، أم بسبب استراتيجية تتّبعها الأحزاب بهدف خلق جوٍ عام يُشير إلى تأجيلها، فيما تقوم باستنفار محازبيها وماكيناتها الإنتخابية، في الوقت الذي تكون فيه المعارضة في سُباتٍ عميق. وقبل أقلّ من أسبوعين على إقفال باب تسجيل اللوائح، باتت التحالفات شبه محسومة، ومعها بات أكثر من ثلثي مجلس النواب محسوم فيما تُخاض الإنتخابات حول المقاعد المتبقّية.
لذا، فإن نتائج الإنتخابات ستُعيد تكريس المشهد القائم لجهة الإصطفافات الداخلية والتحالفات التقليدية. هذه النتائج تعني العودة إلى نقاط الخلاف الأساسية التي تُطرح بعد كل استحقاق دستوري، إلاّ أن ما يزيد من أهميتها هو أنها تستبق، إلى جانب تشكيل الحكومة الجديدة، إستحقاق انتخاب رئيس الجمهورية. وبالتالي بات الحديث عن شكل الحكومة ورئيسها، ومسار جلسات انتخاب الرئيس مطروحاً في الصالونات السياسية، مع عاملين جديدين هذه المرة، الأول، هو عُزوف تيار “المستقبل” عن خوض الإنتخابات وترقّب لمواقف القوى والشخصيات والأحزاب التي ستتمكّن من ملء هذا الفراغ في الساحة السُنية، والثاني هو إمكانية دخول قوى تغييرية إلى المجلس النيابي، ومدى قدرتها على التأثير على المشهد السياسي، وهذا ما يعتمد على حجم الكتلة التي ستتمكّن من إيصالها إلى ساحة النجمة من جهة ومدى امكانية ترافقها مع ضغط شعبي من جهة أخرى.
ثمة فارقٌ أساسي وجوهري بين الوضع القائم اليوم والوضع الذي سنشهده بعد الإنتخابات، ذلك أن تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، لم يهدف إلى وضع لبنان على سكّة الحلّ السياسي أو الإقتصادي، كما أنه جاء في لحظة اشتباك إقليمي ودولي انعكس بدوره على الساحة اللبنانية، فأهداف هذه الحكومة لم تتعدّ محاولة إدارة الأزمة بمواجهتها عبر قرارات وتسويات آنية. في حين أن حكومة ما بعد الإنتخابات ستكون أمام استحقاقات لا يُمكن التغاضي عنها أو تأجيلها، وفي مقدمتها خطة التعافي المالي والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي وترسيم الحدود البحرية.
هذا الدور الكبير الذي ستلعبه حكومة ما بعد الإنتخابات، بالإضافة إلى إمكانية وراثة صلاحيات رئيس الجمهورية في حال تعذّر انتخابه كما حصل في حكومة الرئيس تمام سلام، سيُسفر عن صراعٍ جديد حول الحصص والتوازنات داخلها، وسيكون العامل الإقليمي ناشطاً لناحية تسهيل أو عرقلة تأليفها، وهذا ما سيعتمد على مسارين، مسار الحوار السعودي الإيراني الممتد من اليمن الى العراق ولبنان، ومسار المفاوضات الدولية حول الملف النووي الإيراني.
ثمة سيناريو أكثر سوداوية من كل ما تقدّم، وهو سيناريو الفراغ الشامل الذي قد يترافق مع عدم إمكانية تشكيل حكومة أو إنتخاب رئيس جمهورية، ما يعني مواجهة اللبنانيين لأسوأ أزمة إقتصادية في القرن العشرين من خلال حكومة تصريف أعمال، يحتاج مجرد اجتماعها إلى فتاوى دستورية وتوافقٍ سياسي. وهذا الفراغ عادةً ما تتخلّله في لبنان، رسائل قد تصل في بعض المراحل إلى استخدام الشارع.
“ليبانون ديبايت” – مهدي كريّم