استراتيجية ذكية تلك التي يعتمدها العهد وفريقه السياسي قبل اقل من شهرين على الانتخابات النيابية ونحو 7 اشهر على الاستحقاق الرئاسي في تشرين الاول المقبل المرتبطين عضويا واللذين سيقرران مستقبل لبنان السياسي. رسم خريطة الطريق ومضى نحو المواجهة. مواجهة المعارضين الذين، على حد قوله، هشّموا العهد وحالوا دون ان ينفذ مشروعه الاصلاحي ولسان حاله “ما خلونا”.
ترتكز الاستراتيجية في خطوطها الاساسية الى عنوانين عريضين شرع العهد في تنفيذهما. الاول القاء تبعات الانهيار على القطاع المصرفي وتحميله اوزار الازمات كلها التي يقبع في ظلها اللبنانيون، لينتزع عنه التهم التي وجهتها اليه قوى المعارضة والثوار باعتباره المسؤول الاوحد عما حصل،ويبرئ ساحته. والثاني تلميع صورة حزب الله امام اللبنانيين عموما والتيار خصوصا لحثهم على انتخاب لوائحه وتأمين الفوز بالاكثرية النيابية الى جانب الثنائي الشيعي، غاضاً الطرف عن الاتهامات العلنية التي يوجهها التيار لحركة امل ورئيسها “اللي ما خلوّن” على قاعدة “الغاية تبرر الوسيلة”، وهو ما تندرج تحته خطابات الايام والساعات الاخيرة للرئيس عون والنائب جبران باسيل.
في العنوان الاول، تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية” ، يمكن القول ان العهد حقق نجاحا نسبيا، ولو على حساب سمعة لبنان المصرفية في العالم، فأطلق التدقيق الجنائي في حسابات المصرف المركزي، وهو واجب وحق، لو انه شمل كل مزاريب الهدر من وزارات وصناديق ومجالس،ولم يحصرها بالقطاع المالي استنسابيا ، وعمد عبر القضاء الى ملاحقة حاكمه رياض سلامة والادعاء عليه، وفتح دعاوى ضده في لبنان والخارج، ومثله المصارف باتخاذ اجراءات في حقها، لتأليب الرأي العام المحتقن جراء حجز ودائعه واقناعه بتحصيل حقوق المودعين التي تلتهمها المصارف، بما يرتدّ عليه ايجابا شعبياً. ولا يغادر الرئيس عون بعبدا الا وقد “قبع” رمزا اساسيا من رموز ما يوصفونه بحقبة الفساد ويحقق انتصارا يدوّن في سجل عهده ويرفع الظلم الذي طاله.وتفيد المصادر ان النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون زخّمت اجراءاتها في حق الحاكم اثر سقوط تسوية كانت تقضي باستمراره في الحاكمية حتى انتهاء ولايته العام المقبل، الا انه لم يكتب لها النجاح.
وتقول اوساط في التيار الوطني الحر لـ”المركزية” في مجال تأكيد اصرار الرئيس عون على المضي قدما في التدقيق الجنائي والمساءلة القضائية ان القوى التي نهبت خيرات الدولة منذ اكثرمن 30 عاما شكّلت سدا منيعا في سبيل قطع طريق المحاسبة، فعمدت الى تعطيل التدقيق الجنائي لئلا يفضح امرها، الا ان الرئيس عون اصر على التمسك بشركة التدقيق ونزع كل الذرائع والمعوقات وفتح درب القوانين المطلوبة لها،في ما يؤكد براءة التيار الوطني الحر من اي جرم سرقة او اختلاس، كما يتهمه المعارضون. بيد ان الشركة المكلفة المهمة، وعلى رغم ازالة الحواجز لم تنجز عملها بفعل ممانعة بعض رموزالمنظومة الواجب اطاحتهم لتصل مسيرة التدقيق الى خواتيمها، ويتم توقيف الرؤوس الكبيرة التي عاثت في الدولة فسادا ، وان امكن حملها قضائيا على اعادة الاموال المنهوبة، في سيناريو مشابه لذاك الذي نفذه ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان حينما احتجز عددا ضخما من المشايخ ورجال الاعمال في فندق “ريتز” واجبرهم على اعادة ما سلبوا من اموال المملكة الى الخزينة.وتؤكد ان لا عودة عن المحاسبة الحقيقية والجدية وان لم تصل الامور الى النتائج المطلوبة قبل الانتخابات، فالمهمة ستستكمل بعدها.
اما العنوان الثاني فيشكل حاجة مشتركة للطرفين التيار وحزب الله. الاول يحتاجه بشدة انتخابيا، تقول المصادر السياسية المراقبة، بعدما تدنت شعبيته خلال السنوات الاربع الاخيرة الى الحد الاقصى، والثاني يرى فيه ضرورة لاستمرار تأمين الغطاء الشرعي لسلاحه. وما مواقف باسيل اخيرا وكلام الرئيس عون عن الحزب الا الدليل الى مدى السعي لتغطيته شرعيا. فالى دفاعه عنه امس، قال رئيس الجمهورية في حديث خاص الى صحيفة “لا ربوبليكا” الايطالية اليوم “ان ليس لحزب الله من تأثير بأي طريقة على الواقع الامني للبنانيين في الداخل، مشددا على ان الحزب الذي قام بتحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي مكون من لبنانيين عانوا من الاحتلال و”مقاومة الاحتلال ليست إرهابا”. وقد تجاهل الرئيس عون، تضيف المصادر ان اكثر من نصف الشعب اللبناني يعاني من فائض قوة حزب الله ويرفض استمراره مسلحاً نظرا للضرر الكبير الذي الحقه بهم وبمصالح لبنان مع العرب والعالم وقد ارتد عليهم ازمة خانقة وضعتهم في مواجهة اعتى انواع الفقر والجوع والعوز. لكن واقع الحال شعبيا يوجب على العهد والتيار استمرار التمسك بالحزب لتأمين عودة قوية الى المجلس النيابي والامساك بالغالبية التي لها الكلمة الفصل في هوية رئيس الجمهورية العتيد.
هو تقاطع المصالح يحكم لبنان اذا اليوم، ويهدد بتغيير صورته ووجهه التاريخيين، فهل يتصدى الشعب وينتصر لمصلحة الوطن فقط لا غير؟