كانت ودائع غير المقيمين في القطاع المصرفي اللبناني (المصارف التجارية وبنوك الأعمال) تبلغ عشية 17 تشرين الأول 2019 نحو 37 مليار دولار، واذا بها في نهاية 2021 نحو 24.6 ملياراً فقط، أي انها انخفضت 12.3 مليار دولار تضاف اليها فوائد بنحو 1.8 مليار ليبلغ الاجمالي المتناقص (الخارج) من حسابات هؤلاء نحو 14 مليار دولار. وذلك على الرغم من اجراءات ضبط السحوبات والتحويلات، والكابيتال كونترول الاستنسابي والعشوائي الذي طبقته المصارف برعاية من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة منذ غداة اندلاع الازمة بعد 17 تشرين الأول 2019.
حدث ذلك وغيره الكثير في خلال أكثر من سنتين ونصف السنة، في الوقت الذي تقاعس فيه مجلس النواب عن القيام بدوره في الأزمة، عن قصد حيناً، بمنع اقرار قانون كابيتال كونترول يساوي بين الجميع. وبالتالي السماح باستنسابية التحويل من لبنان الى الخارج لا سيما للنافذين سياسياً ومالياً وسلطوياً. وعن جهل احياناً بفعل استقالة السلطة السياسية من دورها وتسليم الأمر برمته لحاكم مصرف لبنان على انه المنقذ من الأزمات والمهندس للحلول. فاذا به يصدر، يغطي مخالفات، ويصدر تعاميم عشوائية فاقمت من تداعيات الأزمة التي كانت خسائرها تقدر عشية 17 تشرين 2019 بين 30 و34 مليار دولار مقابل أكثر من 73 ملياراً حالياً.
في التفاصيل، انخفض رصيد تلك الودائع (المصنفة لغير المقيمين) من 36.9 ملياراً الى 32.7 ملياراً في الأشهر الأخيرة من 2019 رغم اقفال المصارف مدة أسبوعين، الا ان تحويلات مليارية حصلت!
ثم انخفضت من 32.7 ملياراً بداية 2020 الى 27.6 ملياراً في نهاية ذلك العام. ثم الى 24.6 ملياراً بنهاية 2021.
رب قائل أنه خرج منها شيء الى شراء أصول في الداخل لا سيما في القطاع العقاري، علماً بأن ذلك لا يتناسب مع تصنيف تلك الودائع على أنها لغير المقيمين، كما أنها لم تخرج حتماً لتمويل الاستيراد الذي كان مصرف لبنان يتولاه بشكل أساسي. أما ما قد يكون لسداد قروض فلا يتجاوز المليارين، بحسب مصرفيين متابعين يربطون بين ما يجري من تحقيقات حول 8.3 مليارات دولار اقرضها مصرف لبنان الى مصارف دون غيرها على أنها التزامات خارجية، وردتها تلك المصارف للبنك المركزي على سعر صرف 1500 ليرة للدولار، بربح ناهز 93% بأسعار الدولار هذه الأيام.
ويؤكد مصرفيون أن تلك الحسابات تتضمن أموالاً للبنانيين أثرياء كانت أموالهم في سويسرا في بنوك مثل «أتش أس بي سي» أو «كريدي سويس» أو في بنوك لبنانية في جنيف، ولم تكن تحصل تلك على فوائد، لا بل كان يمكن أن يدفع اصحابها لقاء ايداعها او ما يعرف بالفوائد السلبية. ولأن هؤلاء يعرفون جيداً المغانم التي كان يمكن الحصول عليها في لبنان بفعل الفوائد المرتفعة، فقد طلبوا من بنوكهم السويسرية تحويلها الى لبنان تحت بنود ودائع ائتمانية لا يظهر فيها اسم العميل الحقيقي، بتوظيفات مغرية مخاطرها عادة على عاتق اصحابها لا البنك السويسري أو الأجنبي.
والأنكى بالنسبة لمتابعين مصرفيين ان بين أسماء هؤلاء من هم في مواقع نفوذ سياسي او مالي في لبنان، وهم من اصحاب الثروات المشبوهة التي حصلوا عليها في لبنان خلال سنوات طويلة من الفساد واستغلال النفوذ، ثم حولوها الى الخارج. ولمزيد من الارباح اعادوها كلياً أو جزئياً الى الداخل تحت بند ودائع ائتمانية للحصول على فوائد مرتفعة. أي انهم استفادوا من البلد من غير وجه حق مرتين على الأقل.
المصدر : منير يونس – نداء الوطن