توضّحت الصورة في الشارع السنّي. فبعد عزوف الرئيس سعد الحريري عن خوض الانتخابات النيابيّة، واتّخاذ كلّ من الرئيسين تمام سلام ونجيب ميقاتي الخطوة عينها، فاجأ الرئيس فؤاد السنيورة الاوساط السياسيّة بإعلانه عن عدم الترشّح، بعد كلّ الترجيحات التي كانت تقول إنّه كان سيخوض المعركة في بيروت الثانيّة لقطع الطريق على الطامحين بوراثة مقاعد “المستقبل”، وأبرزهم “حزب الله”.
حتّى الساعة لم يصدر أي تعليق من حلفاء السنيورة، من رئيس الحزب “التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، وصولا إلى “القوات اللبنانيّة”، الذين كانوا يعوّلون عليه لخوض الاستحقاق الانتخابي مع مرشّحيه في لوائح موحّدة، وخصوصاً في الشوف وبيروت الثانيّة وزحلة وبعلبك – الهرمل والبقاع الغربي. ورغم أنّ السنيورة لم ينسحب من المعركة الانتخابيّة، وهو يعمل على تشكيل اللوائح مع الحلفاء، لزيادة فرص فوز أفرقاء الرابع عشر من آذار القدماء بعدد من النواب، إلا أنّ هناك مشكلتان أساسيتان. أوّلهما، ان عدم خوض السنيورة شخصيّاً الانتخابات يعني عدم إجتذاب الاصوات السنّية بنسبة كبيرة. وثانيهما أن القاعدة الشعبيّة لـ”المستقبل” متمسكّة بقرار الرئيس الحريري بتعليق المشاركة في الانتخابات.
في الاطار عينه، تغيب عن المشهد البيروتي الشخصيّات السنّية الوازنة. فالحريري خارج المشهد الانتخابي، بالاضافة إلى الرئيس تمام سلام. وأتى ابتعاد النائبة رولا الطبش وقبلها النائب نزيه نجم ليُصعّبا الامور أكثر على اللائحة التي يُشكّلها السنيورة. فكلّ نواب “المستقبل” في بيروت أيّدوا قرار الحريري. ومع عدم ترشّح السنيورة، يسأل مراقبون “هل هو قادر بوجوه سنّية غير مألوفة على الساحة النيابيّة، أنّ يُحدث فرقاً، ويكسب تأييد الشارع السنّي؟”
ويرى مراقبون أنّ الساحة النيابيّة السنّية البيروتيّة أصبحت إلى حدٍّ بعيدٍ خارج متناول “المستقبل”. فبدا ملفتاً زيادة أعداد المرشّحين السنّة من 276 عام 2018، إلى 304 عام 2022، وبشكل خاص بعد ابتعاد الحريري عن المشهد السياسيّ. وبالتالي، إنخفاض نسب التصويت في الدوائر التي يُشكّل فيها “التيار الازرق” الثقل التمثيليّ، ما يعني أنّ تأمين الحواصل لن يكون صعباً، في ظلّ غياب المنافسة الفعليّة، وسعي الطامحين لملء الفراغ النيابيّ. فعلى سبيل المثال، نالت لائحة “المستقبل” عام 2018، 62970 صوتاً. وكان الحاصل الانتخابي 11537. ومع عزوف الحريري، وتقيّد المناصرين بأكثريتهم الساحقة بقرار رئيسهم، من المتوقع أنّ ينخفض الحاصل إلى 7350، على أنّ يزيد إلى 8000 بأقصى تقدير، إذا شاركت نسبة قليلة من مناصري “المستقبل”، غير المنضويين لتيارهم، والذين يُؤمنون من أنّ المعركة هي عدم إعطاء المقاعد السنّية بالمجان لـ”حزب الله”.
توازياً، فإنّ عدد المرشحين السنّة في دائرة بيروت الثانيّة وصل إلى 69. ورغم أنّ لائحة السنيورة لم تكتمل بعد، يستبعد مراقبون أنّ تنال أكثر من حاصلين، مع بقاء الارجحيّة للائحة “حزب الله” التي نالت 47087 صوتاً في الانتخابات الماضيّة، على أنّ تُحقّق فوزا كبيراً بعد انسحاب الحريري. ففي قراءة لارقام العام 2018، نال النائب
عدنان طرابلسي 13018 صوتاً، أي تقريباً حاصلين من الاصوات السنّية حاليّاً (حاصل وكسر قريب من الحاصل الثاني)، بعد ابتعاد “المستقبل” عن الانتخابات، وتدّني نسبة التصويت وانخفاض الحاصل. من جهة ثانيّة، فإنّ النائب فؤاد مخزومي نال 11346 صوتاً، ما يعادل حاصلا ونصف. كذلك، فإنّ لائحتين منفصلتين من المجتمع المدني (كلنا بيروت وبيروت الوطن)، نالتا عام 2018، 13649 صوتاً، ما يعني حاصلين تقريباً. ويُشير مراقبون إلى أنّ وحدة لوائح المجتمع المدني قادرة على خرق مقعدين، في ظلّ الفراغ الذي تركه الحريري.
ويجدر التذكير على أنّ “زعيم المختارة” أشار في عدّة مناسبات إلى أنّ “حزب الله” يعمل على تقليص عدد نواب كتلته ومحاصرته، بدءاً من دائرة بيروت الثانيّة، ومستغلا غياب الحريري. ومع ترشيح نسيب الجوهري من قبل الحزب “الديمقراطي اللبناني” في هذه الدائرة، وتوجّه “الثنائي الشيعيّ” لدعمه، بانتظار الاتصالات التي يجريها جنبلاط مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، لترك المقعد شاغراً لـ”التقدّمي”، يترقب الاوّل إنّ كان سيناريو دعم مروان خير الدين في حاصبيا، سيتجدّد في دائرة بيروت الثانيّة مع فارق جوهري. إذ أنّ “حزب الله” يضغط بحسب مراقبين بقوّة على حلفائه لتأمين فوزهم بالعدد الاكبر من المقاعد النيابيّة، وصولا إلى تحقيق الاكثريّة. وبالتالي، فإنّ ترك بري مقعداً شاغراً لفيصل الصايغ، لا يُحبّذه أبداً “الحزب”. وإعطاء مقعدٍ بالمجان لجنبلاط، على الرغم من كلّ ما يُقال أنّ “حزب الله” يجهد في تأمين التحالفات لكسر “التقدّمي” في الشوف وعاليه، أمرٌ مستبعدٌ. وتبقى مصلحة 8 آذار وفوزها في الانتخابات، ما يهمّ “الحزب”. في المقابل، فإنّ علاقة برّي بجنبلاط جيّدة، وأصوات كتلة “اللقاء الديمقراطي” مُؤمّنة لرئيس “حركة أمل”، في انتخابات رئيس المجلس النيابيّ. ويلفت مراقبون إلى أنّ حصول برّي على أصوات 7 أو 9 نواب من جنبلاط، أفضل من دعم نائب لارسلان في بيروت. وهذا الموضوع يمكن أنّ يكون نقطة التحوّل في احتفاظ “التقدّمي” بمقعده الدرزي في العاصمة.
ويبقى أنّ كلّ الاحزاب المعارضة للحريري، وفي مقدّمتها “حزب الله”، بالاضافة إلى قوى المجتمع المدني يستفيدون من غياب “المستقبل” عن معركة بيروت الثانيّة. كذلك، يبقى مستبعداً أنّ يملأ مرشحو السنيورة الفراغ. لكّن، مفاجآت الانتخابات دائماً موجودة. والانظار إلى صناديق الاقتراع يوم 15 أيار، وما ستُفرزه من نتائج، ومن مقاعد في عقر دار “التيّار الازرق”.
lebanon24