كتب جورج شاهين في “الجمهورية”: لا يخفي الديبلوماسيون قلقهم من المفاجآت المحتملة في العالم، تزامناً مع الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي استدعى إعادة تقييم للمعاهدات والمواثيق الأممية. فقد سمحت هذه التجربة لأكثر من دولة بإمرار رسائلها الإقليمية كما تريدها في فترة “الخواء الدولي”. وهو ما عبّرت عنه “صواريخ اربيل” الإيرانية رداً على “صواريخ سوريا” الاسرائيلية. وفيما انتظر اللبنانيون الردّ من جنوب لبنان جاء من جنوب إيران
.
توقفت المراجع الديبلوماسية أمام بعض المؤشرات من زاوية لبنانية، فرأت فيها ما يؤدي الى نجاة لبنان من تجربة كانت متوقعة في بعض الأوساط السياسية والديبلوماسية ولو بشكل ضيّق جداً، قبل ان تسقط بمجرد الإعلان عن العملية في اتجاه اربيل. فحال الاستنفار المعلنة على الحدود الجنوبية بعد التهديدات الإيرانية بقيت إجراء روتينياً لم يؤد الى أي توتر من الجانبين، وإن أبقته اسرائيل قائماً من طرف واحد سيبقى اعتباره من باب الاحتياط ليس إلاّ.
ففي المعلومات التي تبودلت في الساعات التي تلت العملية مطلع الأسبوع الماضي على نطاق مقفل بين القيادات الأمنية اللبنانية، كان هناك اطمئنان إلى عدم حصول ما يؤدي الى توتير الوضع جنوباً. ومردّ هذا الاطمئنان، انّ “حزب الله” أبلغ إلى من يجب إبلاغه، أنّه لم ولن يخرج عن تعهّده السابق بحصر عمليات الردّ على إسرائيل أي هدف آخر على ما يجري على الساحة السورية الّا بما يصيبه هو وعناصره، قبل الربط الذي أُجري لفترة وجيزة على ناقلات المازوت الايراني الى لبنان، عندما اعتبرها الأمين للحزب السيد حسن نصرالله ارضاً لبنانية، وهو سيتولّى الردّ إن تعرّضت لأي عمل عدائي اسرائيلي.
وفي تفسير أدق للمواقف التي رافقت هذه العملية، قالت المصادر عينها، انّ ما قامت به طهران يحتمل كثيراً من التفسيرات وفي اكثر من اتجاه. وإن كان في إمكان إيران الحفاظ على المعادلة التي حكمت علاقتها بالساحة العراقية منذ اغتيال قاسم سليماني وضمّت اليها الأراضي السورية، وإنّ أي عملية اسرائيلية تستهدفها ستواجه بالردّ عينه. وإلى ان تؤكّد إيران مقتل اسرائيليين في اربيل ستبقى مصرّة على انّها قصفت موقعاً اسرائيلياً للحفاظ على ما تحقق في مفاوضات فيينا تجنّباً لتحميلها مسؤولية إنهاء المفاوضات في شأن ملفها النووي، وهي حريصة على ما تستدعيه من تهدئة مع واشنطن. وإلى هذه المعادلة، قيل وسيُقال انّها عملية استهدفت أطرافاً دوليين آخرين، وهو أمر يحتاج الى تفسير منطقي. وعليه، ما معنى انّها تريد لفت نظر القيادة الروسية بعد موقفها المتشدّد من مفاوضات فيينا والتشديد على قرارها المستقل، بعيداً من النزاع الجاري في أوكرانيا. فطهران تعلم ومعها دول اخرى انّ الموقف الروسي الذي قاد إلى تجميد اجتماعات فيينا لا يستهدف دعم وجهة نظر ايران بمقدار ما شكّل رداً على موقف واشنطن وشركائها من مجموعة الـ (5+1) من العملية العسكرية الجارية في اوكرانيا. ولتؤكّد موسكو انّ في إمكانها توسيع المواجهة لتشمل ساحات عدة، إن استمرت هذه الدول في فرض عقوباتها.
وبمعزل عن كل هذه النظريات، فإنّ ما يهمّ اللبنانيين، انّ العملية أبعدت شبح التوتر عن جنوب لبنان، وأعطت إشارة واضحة الى انّ الحزب كان في إمكانه التبرّع بمثل هذا الردّ، ولكنه فضّل استمرار مدارالانتخابات النيابية، فلا شيء يؤدي الى تأجيلها سوى عمل أمني، ولعلّ التجارب التي سبقت انتخابات العام 2018 كانت بروفا ناجحة، أُرجئت ابّانها كل العمليات المحتملة في الجنوب الى ما بعد إقفال صناديق الاقتراع في 6 ايار من ذلك العام، ولم يُسجّل ما يؤدي الى المسّ بالهدوء، سوى تلك المناوشات التي تزامنت مع أحداث غزة في فترة أيام تلت تلك الانتخابات.
lebanon24