بعد مرور حوالى 19 شهراً على صدور التعميم 154، والذي كان يهدف في عنوانه العريض الى البدء في ورشة «تطبيع» العمل المصرفي، «استفاقت» هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان على واقع انّ التعميم لم يُطبّق كما ينبغي، وأصدرت قراراً يهدف الى متابعة تطبيق الجزئية المتعلقة بالـPEP.
تساؤلات كثيرة طرحها القرار الذي أصدرته هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، والذي طلبت فيه من المصارف تزويدها لائحةً بأسماء الـPEP (الأشخاص المكشوفون على السياسة)، تشمل الذين التزموا بتطبيق التعميم 154، والذين لم يلتزموا. هذا الطلب أثار موجة من التساؤلات، من أهمها:
اولاً- ما سرّ توقيت القرار الذي جاء بعد مرور حوالى 19 شهراً على صدور التعميم؟ (آب 2020).
ثانياً- لماذا اختيار الجزئية المتعلقة بالـPEP فقط، من دون التطرّق الى المندرجات الأخرى الواردة في التعميم، ومن ضمنها الأشخاص من غير فئة الـ PEP، والذين كان يُفترض ان يعيدوا ما نسبته 15% من الأموال المحولة الى الخارج؟
ثالثاً- ما الهدف الحقيقي من هذا القرار المتأخّر. إذ منذ صدور التعميم كانت علامة الاستفهام الأساسية مرتبطة بكيفية التنفيذ، ومن هي الجهة القادرة على إلزام شريحة الـ PEP، بالالتزام؟ فهل انّ مصرف لبنان صار جاهزاً لتنفيذ تهديداته باتخاذ الإجراءات التي تحدّث عنها، عندما تصبح لائحة المخالفين لديه؟
رابعاً- هل فعلاً انّ المركزي لا يملك اللائحة التي يطلبها من المصارف، لأنّ المعلومات تشير الى انّ المصارف سبق وزوّدت المركزي بالمعلومات حول تطبيق هذا التعميم. والأصح، انّ لجنة من مصرف لبنان سبق وجالت على المصارف واطّلعت ميدانياً على هذه المعلومات؟
خامساً- هل يمكن لأية جهة ان تنفي أنّ اسماء المكشوفين على السياسة شبه معروفة في القطاع المالي، أو هكذا يُفترض ان يكون، بدليل انّ المصارف الأجنبية تملك مثل هذه اللوائح، وتجري عليها التحديثات (Update) المستدامة، خصوصاً انّ أي لبناني دخل المعترك السياسي حديثاً، أصبح اسمه موجوداً على هذه اللوائح، ولم يعد في مقدوره فتح حسابات مصرفية خارج لبنان، وتحديداً في الدول الغربية التي تلتزم معايير الـ (FATF)؟
سادساً- ما دام مصرف لبنان قادراً على تحصيل لائحة كاملة بأسماء المكشوفين على السياسة، فهذا يعني انّ عملية تجميد ودائع هؤلاء الموجودة في لبنان سهلة ومتاحة، بحيث تتمّ مصادرة كل وديعة، ولا يستطيع صاحبها، إذا كان من فئة الـ PEP، استعادتها الاّ أذا أثبت انّها اموال نظيفة مصدرها وراثة مشروعة، ام أرباح ناتجة من أعمال شرعية وقانونية. ومثل هذا الإجراء كفيل بحلّ مشكلة إعادة الودائع المصرفية الى أصحابها، وهو أسهل، لأنّه يتعامل مع وديعة موجودة في لبنان، بدلاً من «تكبير الحجر»، ومحاولة الوصول الى الأموال في الخارج. طبعاً، مثل هذه المهمّة لا يستطيع ان يقوم بها مصرف لبنان بلا قرار سياسي. وهنا تبرز مسؤولية السلطة السياسية، إذ يكفي ان يقرّر رئيس الحكومة، بالتشاور مع رئيس الجمهورية، وبعد أخذ موافقة رئيس مجلس النواب، تنفيذ قرار «تنظيف» الودائع، وتجميد ما هو غير شرعي منها، حتى يتمّ الأمر. انّها مسؤولية 3 رجال في الدولة يمكن ان تقلب المشهد المالي رأساً على عقب.
في كل الأحوال، قد تصبح كل هذه التساؤلات بلا جدوى، إذا ما تبين انّ الهدف الحقيقي من قرار هيئة التحقيق في مصرف لبنان هو إبراء الذمة، وليس تنفيذ الشق المتعلق بالـ PEP. إذ يبدو انّ الهدف الحقيقي يرتبط بإظهار حسن النيات تجاه مجموعة العمل المالي (FATF)، التي تقوم حالياً، وحسبما ذكر بيان الهيئة في معرض حديثه عن تنفيذ التعميم 154، بتقويم منظومة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب في لبنان، والتي تشمل تقويم فاعلية وآليات عمل كل الجهات المعنية ضمن الدولة، ومنها الجهات التنظيمية والرقابية وجهات إنفاذ القانون. وهذا يعني انّ التقويم سيشمل مصرف لبنان، ودوره في مكافحة تبييض الأموال. وبالتالي، وعلى طريقة «اذا عُرف السبب بطُل العجب»، يبدو انّ الهدف الأول والأخير من قرار هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، هو إبراء ذمّة المركزي أمام المجموعة الدولية، وترك الدولة ومؤسساتها لتقلّع شوكها بيديها.
المصدر : أنطوان فرح – الجمهورية