إذا كان صندوق النقد الدولي نبّه من أنّ تصاعد النزاع في أوكرانيا ستكون له تداعيات اقتصادية «مدمّرة» على المستوى العالمي، فكيف يمكن وصف التداعيات على الاقتصاد اللبناني المدمّر قبل اندلاع الحرب؟ وهل سيستطيع مصرف لبنان تلبية زيادة الطلب على الدولار، لتأمين الأمن الغذائي والحفاظ في الوقت نفسه على الاستقرار في سعر الصرف؟
مع ارتفاع مختلف أسعار السلع عالمياً من غذائية وحيوية وصناعية، ومع الإقبال على التخزين وتكوين احتياطات أكبر، من الطبيعي ان ترتفع قيمة فاتورة الاستيراد الشهرية، بما يعني خروجاً إضافياً لكميات الدولارات من البلاد، في مقابل ارتفاع في الطلب على الدولار في المرحلة المقبلة، في موازاة مواصلة مصرف لبنان دعمه لسعر صرف الليرة من خلال تدخّله في السوق عبر منصّة صيرفة. كما انّ البنك المركزي مستمرّ لغاية أواخر آذار الحالي بتطبيق التعميم 161 الذي يؤمّن الدولارات للمصارف من دون سقف محدّد، وعلى السعر المدعوم، أي سعر صرف منصّة صيرفة.
ولكن، مع اندلاع الحرب الروسية- الاوكرانية، وما سينتج منها محلياً من تداعيات متعلّقة بزيادة حجم وقيمة فاتورة الاستيراد، هل سيستطيع البنك المركزي مواصلة فتح الاعتمادات لاستيراد المحروقات المدعومة جزئياً والقمح المدعوم بالكامل، وتأمين الدولارات اللازمة، لتمويل كلفة الدعم التي ارتفعت تلقائياً مع ارتفاع اسعار النفط والقمح عالمياً؟ وهل سيتمكن من الاستمرار في ضخ الدولارات في السوق للمحافظة على الاستقرار السائد في سعر الصرف منذ شهرين؟ أم انّه سيضطر للتخلّي عن واحدة منهما؟ أي انّ خياره سيكون، إما تمويل عملية توفير الامن الغذائي أو تمويل عملية دعم الليرة للحفاظ على استقرار سعر الصرف إلى حين موعد الانتخابات النيابية كما هو متّفق عليه حكومياً وسياسياً؟
لا مفرّ من ارتفاع الطلب على الدولار في المرحلة المقبلة، مع ارتفاع أسعار السلع المستوردة بمعدل 30 في المئة لغاية اليوم، وهي نسبة قابلة للارتفاع أكثر مع استمرار الحرب وتفاقم تداعياتها الاقتصادية على مختلف دول العالم، خصوصاً في ما يتعلّق بفاتورة استيراد المحروقات، حيث ارتفع سعر برميل النفط على سبيل المثال، إلى أعلى مستوى له منذ عام 2008، بعدما أعلنت الولايات المتحدة أنّها تبحث مع حلفائها إمكانية فرض حظر على النفط الروسي
وقد وصل سعر برميل خام برنت القياسي إلى 139 دولاراً، قبل أن يتراجع قليلاً إلى 130 دولاراً. وهذا المسار التصاعدي متواصل، حيث أشارت مذكرة صادرة عن National Australia Bank امس، انّه «إذا لم تتوقف الحرب، لا يظهر أي شيء في الأفق من شأنه إبطاء ارتفاع اسعار النفط».
بالإضافة الى النفط، فإنّ فاتورة الاستيراد سترتفع نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمواد الخام التي تحتاجها الصناعات المحلية المختلفة، وبالتالي سيزيد الطلب على الدولار وسيرتفع حجم الدولارات التي ستخرج من لبنان بهدف الاستيراد، في مقابل صدور قرار بمنع تصدير بعض الصناعات الغذائية المحلية، أي تراجع في غير محلّه في تدفقات دولارات التصدير.
من سيلبّي زيادة الطلب على الدولار؟ وهل يمكن ان يحافظ مصرف لبنان على استقرار سعر الصرف مع تدني احتياطه من العملات الأجنبية؟
في هذا السياق، اعتبر الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، انّ كلفة حجم الاستهلاك الحالي ستصبح أكبر مع ارتفاع الاسعار، وبالتالي سيزيد حجم الدولارات المطلوبة للاستيراد، مع الإشارة الى انّ ارتفاع الاسعار قد يدفع حجم الاستهلاك الى الانخفاض، إن من ناحية المحروقات او المواد الغذائية، نتيجة تراجع القدرة الشرائية للمواطن التي لم تعد قادرة على مواكبة المزيد من الارتفاع في اسعار السلع. وبالتالي، قال حمود لـ«الجمهورية»، انّ أوّل ظاهرة من ظواهر تداعيات الحرب، هي انقطاع جزء كبير من السلع من الأسواق ونقص كبير في المخزون، لأنّ التجار سيعجزون عن إعادة تكوين مخزونهم.
وأوضح انّ مصرف لبنان يموّل عملية دعم سعر الصرف، وفقاً لحجم عرض الدولارات الوافدة الى لبنان، وهو يقوم بتغطية الفروقات بين العرض والطلب، معرباً عن اعتقاده بأنّ الفروقات التي يغطّيها مصرف لبنان ليست بالكبيرة ولا تتجاوز نسبة الـ10 في المئة من حجم التداول اليومي على «صيرفة». ورأى حمود، انّ البنك المركزي سيستمرّ في تمويل تلك العملية من احتياطه، حيث قد يلجأ الى خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي، وذلك من اجل «تقطيع» المرحلة. وقال: «بدايةً، المرحلة الاولى المطلوبة منه تمتدّ لغاية الانتخابات النيابية، والمرحلة الثانية المطلوبة لغاية الانتخابات الرئاسية، والمرحلة الثالثة الى حين انتهاء ولاية الحاكم في حزيران 2023».
وفي النتيجة، اكّد حمود انّ سعر صرف منصّة صيرفة سيرتفع الى 23 الف ليرة و24 الف ليرة او 25 الفاً، لكن الامور لن «تفلت» إلّا في حال قرّر مصرف لبنان الخروج من السوق، حيث يمكن ان يعاود الدولار الصعود الى سقف غير محدّد.
اضاف: «إذا امتنع مصرف لبنان عن تغطية الفروقات بين العرض والطلب على الدولار، فإنّ سعر صرف الدولار سيعاود الصعود».
وختم حمود: «إننا في مرحلة عنوانها أوّلاً: النقص في المخزون وتدني نوعية السلع، وثانياً، ضياع الدولارات الموجودة لدينا والاستمرار في استنزاف اموال المودعين، لأنّه لا يحق لمصرف لبنان ان يبيع الدولارات المتأتية والتي يشتريها من السوق، بل هي من حق المودعين».