كتب المحرر القضائي:
تقدمت المدعية كاريل.ف بإخبار أمام النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان عرضت بموجبه أن إبنها جاد البالغ من العمر أربع سنوات تلفّظ أمامها بكلمات بذيئة ويردّد دائماً عبارة معيبة بحقها، حتى أنها سمعته يقول بإن والده سمح له بمشاهدة أفلام إباحية على موقع “يوتيوب”، وأنها علمت من إبنها أن والده المتّهم طارق.خ يلزمه بوضع يده وفمه على أماكن حساسة من جسمه، ويقوم بالتحرش به بطريقة تسبب له الألم، وأن الوالد يقول لإبنه “إذا حكيت بدي كسّر راسك”.
وأضافت أنه صودف وجود والدتها لديها، وقد شاهدت هذه الأخيرة المتّهم طارق عند الواحدة فجراً يدخل الى غرفة الطفل، فبدأت المدعية عندها بربط الأمور بعضها ببعض، وتذكرت بأنها كانت تجد حفاض الطفل في الصباح غير محكم الإقفال ومفتوح من إحدى الجهتين وكأن أحداً قام بفتحه، مؤكدة بأن زوجها مدمن على مشاهدة الأفلام الإباحية، فضلاً عن أنه سبق أن تحرّش بعاملتين أجنبيتين إستقدمتهما للعمل لديها في الخدمة المنزلية.
وبناءً على هذا الإخبار، بوشرت التحقيقات أمام مكتب مكافحة الإتجار بالأشخاص وحماية الآداب العامة، فأفاد الطفل جاد، لدى سماعه بحضور مندوبة الأحداث، بأنه يشاهد مع والده المتّهم طارق على شاشة التلفزيون أفلاماً لأشخاص “من دون ثياب” وأن الوالد يعمد على إخراج الـ”زي زي” أي إحليله ويضعه داخل الحفاض وأذن الطفل ما يسبب له الألم.
أما والدة الطفل، فأفادت بأنها متأهلة من المتّهم طارق منذ تسع سنوات ولديهما ولدان جهاد وجاد، مؤكدة أن سلوك إبنها جاد مريب وهو يردد كلمات بذيئة بوجهها وبوجه جدته، وأكدت على وجود خلافات جنسية بينها وبين زوجها الذي إعترف لها بأنه تحرّش بالعاملة المنزلية التي كانت تعمل لديهم.
أما المتّهم طارق فأفاد في معرض التحقيقات الأولية بأن ما ورد في الإخبار وفي إفادة زوجته غير صحيح، وأنه يعتقد بأن جدة الطفل لإمه هي مَن لقّنته العبارات البذيئة، وأن علاقته الجنسية بزوجته ليست على ما يُرام، وأنه لم يُقدم على التحرّش بالخادمة المنزلية إنما وضع يده في إحدى المرات على فخذها من أجل إثارة الغيرة لدى زوجته ودفع هذه الأخيرة الى إقامة علاقة جنسية معه.
وفي معرض التحقيقات الإبتدائية، أنكر المتّهم كل ما أُسند اليه، مكرّراً إفادته الأولية، ومؤكداً على وجود خلافات مع زوجته.
وتبيّن أن ثمة دعوى مقدمة من المدعية كاريل بوجه المتّهم طارق أمام المحكمة الروحية بموضوع بطلان زواج، وقد تم تكليف الخبيرة في علم النفس العيادي ريتا.ع بإجراء الخبرة الإجتماعية على الولدين جاد وجهاد، والكشف على مسكن الزوجين والحالة المادية والإجتماعية لكليهما وللولدين، والكشف على وضع دراستهما في المدرسة والحالة النفسية التي يعيشانها، وقد توصلت في تقريرها الى مجموعة من النتائج منها:
– إظهار الطفل المعَرّض للتحرّش، بحسب دراسات علم النفس، إضطراباً سلوكياً، وفي كثير من الأحيان تصرفات جنسية تجاه رفاقه، مع تراجع نتائجه الدراسية بشكل مفاجىء.
– إظهار دراسات علم النفس أن التحرّش الجنسي يكون بالظروف والوقائع ذاتها على كل الأولاد، فالتحرّش الجنسي من قبل الوالد لا يمكن أن يتم بطريقة مختلفة بين ولد وآخر.
– نتيجة المقابلة الحاصلة مع المسؤولين الإداريين في المدرسة التي يتعلّم فيها الولدان، توصلت أن جهاد هو بحالة جيدة لناحية تصرفاته وتفاعلاته، ونتائجه الدراسية جيدة وهو لا يعاني من تبوّل لا إرادي على عكس ما أفادت به الوالدة، وأن جاد وهو في صف الحضانة، بحالة جيدة لناحية الكتابة والرسم إنما يتجنب التواصل مع الآخرين، وأن المديرة المسؤولة في المدرسة أفادتها بأن مسألة عدم قدرة الأطفال بعمر جاد على التأقلم والتواصل هو أمر طبيعي عند تلاميذ الروضة الأولى، وهي مشكلة تزول بعد فترة لأن الأطفال يحتاجون الى بعض الوقت للتأقلم في المدرسة، مؤكدة بحسب إفادات المدرسين أن لا وجود لأي إضطراب سلوكي أو تصرف جنسي من قبل الولدين، كما أنهما لا يُظهران أي عدائية تجاه رفاقهما وأن التفاعل المدرسي لديهما جيد.
– الطفل جاد كان يردّد في معرض المقابلة معه عبارة من دون أن يفهم معناها، وقد تبيّن أن هذه العبارة أُمليت عليه من قبل الوالدة، وأن الطفل يعاني من خوف من الآخرين نتيجة إنتقاله وتعرضه للتحقيقات المتعددة، بالإضافة الى غياب والده ما أثّر سلباً على قدرته النفسية والعلائقية، وقد أثبتت التحاليل أن المتّهم كان يقبل الطفل فوق ثيابه من رأسه لغاية قدميه عند عودته من عمله متأخراً.
– عناصر التحقيق التابعين لمكتب مكافحة الإتجار بالأشخاص ومندوبة الأحداث لم يروا داعياً لطلب معاينة من طبيب شرعي بعد ثبوت عدم وجود أي تحرّش جنسي.
وخلصت الخبيرة النفسية في تقريرها الى أن إختلاف الآراء والمشاريع الحياتية وغياب المشاركة والتبادل الفكري والعاطفي بين الزوجين أدى الى خلافات بينهما، تضخمت مع الوقت وتسببت بإحساسٍ بخيبة الأمل لدى الزوجة والغبن لدى الزوج وشعور كل منهما بعجز الآخر عن تفهمه، ما نتج عنه تبادل العدائية وأذية كل منهما للآخر لدرجة عدم التفكير بالعواقب والنتائج التي قد يكون لها تأثير سلبي على الولدين.
أما الدكتورة في علم النفس المرضي والسريري بيلا.ع فقد عاينت الطفل جاد وخلصت في تقريرها الى أن ثمة ملاحظات لديها على التقييم الذي توصلت اليه الخبيرة ريتا.ع، مضيفةً في تقييم معاكس أن تقبيل الوالد لطفليه على أجزائهما الحميمة يُعتبر نوعاً من التحرّش الجنسي الخطر والشهوة و” زنا المحارم” لدى الأطفال، وأن عدم وجود تصرّف عدائي لدى الولدين في المدرسة وأدائهما الأكاديمي الجيد ليس أمراً دامغاً وراسخاً وكافياً لإعتبار أنهما لم يتعرضا لإعتداء جنسي.
هيئة محكمة الجنايات في جبل لبنان برئاسة القاضي كمال نصار حكمت بالإجماع بإعلان براءة المتّهم طارق.خ من جناية المادة 509/ 510 من قانون العقوبات لعدم كفاية الدليل، وإطلاق سراحه فوراً ما لم يكن موقوفاً لداعٍ آخر، مع حفظ الرسوم والنفقات القانونية.
وقد تلي هذا الحكم في جلسة علنية حضرها ممثل النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان، ووقّع الكاتب على الحكم بعد تلاوته وتم تنظيم محضر عملاً بالمادة 275 من قانون أصول المحاكمات الجزائية وجرى التوقيع عليه أصولاً.
lebanon24