جميع ما أعلن عنه عشية اعتكاف الرئيس سعد الحريري عن مزاولة العمل السياسي و الانتخابي تمّ الانقلاب عليه أو التراجع عنه.
يوم حضر رئيس تيّار المستقبل إلى بيروت والتقى بأعضاء كتلته النيابية لابلاغهم عن قراره تجميد مشاركته في الحياة السياسية، ترك الباب مفتوحاً أمام “البيوتات السياسية” للترشّح وخوض المعركة الانتخابية دون تيّار المستقبل لكنه إمتنعَ عن منح هذا الحق إلى الآخرين. ترك هذا الاعلان شرخاً مبني على خلل في التفسير أوقع به المستقبليون، فما معنى البيوتات السياسية؟ وهل يشمل هذا المذهب الأبناء من ورثة المقاعد عن الآباء؟ هل يصنف هؤلاء “بيوتات سياسية” أم أن التوصيف يقتصر مثلاً على آل الحريري في صيدا والحجار في الإقليم و عراجي في زحلة والعشائر في عكّار؟
إنطوى على هذه المعضلة سوء تقدير، دفع بعدد من النواب إلى تصنيف أنفسهم كـ”بيوتات” عطفاً على أداء تاريخي يمتد إلى ما يقارب الـ15 عاماً تم قضائها في رحاب البرلمان، ولذلك إندفعَ هؤلاء إلى إبلاغ “جماعاتهم” بأنهم “مشمولون” بقرار الاستثناء وهم في وارد الترشّح طبقاً لما صرح به خلال وجود الحريري في بيروت، ولعل هذا المذهب شمل 60% من النواب الحاليين تقريباً، ما أرخى عن معضلة لدى الحريري تجسدت في عودة نوابه إلى العمل مجدداً، وهذا يحمل نذر إسقاط لمشروع عزل نفسه وتياره عن الحياة السياسية ويؤدي إلى إرباكه أمام من إلتزم أمامه إضافة إلى إحباط مشاريعه، كونه سيتم التعاطي مع هؤلاء فيما لو عادوا إلى البرلمان على أساس أنهم ورثة التيار، ولا بد أن بعضهم قد وزّع أنباءاً توحي بأنه “حافظ سر” التيار في البرلمان، مما دفع بالتيار إلى إعلان تنصله من إلتزاماته وإسقاط “الحرم السياسي” على كل من يحاول الترشح، ولا بد أن هذا القرار أدى لتضرّر “أصحاب البيوتات” الحقيقيون بعد أن لم يعد في وسعهم إكتساب الجزء اليسير في بيئة تيار المستقبل، سيما بعد ملاحظة “إنقلابة” تطال هؤلاء، كحال النائب عاصم عراجي في زحلة و سامي فتفت في الضنية و طارق المرعبي في عكار و محمد الحجار في الإقليم وفؤاد السنيورة في بيروت، حيث بدأ حالات “الحرتقة” تطالهم ضمن بيئاتهم وسط إسقاط أوصاف عليهم تلامس “الخيانة” في حال أرادوا العودة عن قرار تيار المستقبل و العودة من جديد، ولا بد أن “أنصار الحريري” ضمن تلك الدوائر ونحن نتحدث عن المفاتيح و المؤثرين، إنخرطوا في ورشة حجب أصوات عن هؤلاء المرشحين المحتملين وعزلهم عن اي تأثيرات لبيئة تيار المستقبل في حال مضوا في قراراتهم، ويصبح أن إستقالة نائب رئيس تيّار المستقبل مصطفى علوش لا يمكن عزلها عن هذا الجو.
صحيح أن علوش لم يعلن عن رغبته في الترشح ولا توجهات واضحة لديه حتى الآن في هذا الشأن والصحيح أن سبق وأعلن عن رغبته في العزوف، وطالما الأمر على هذا النحو تصبح إستقالته موضع شك وتساؤل سيما وأنها أتت من خارج التوقعات أو المعايير المعتمدة، وتحيل إلى وجود “أمر ما” حصل فدفع بعلوش إلى الخروج بهذا الشكل الصادم، نتحدث عن اختلافات محتملة بدأت تنمو بين جدران التيار الذي يأكله الغبار، تُحاكي توجهات في سبيل إخلاء التيار من وجوهه! نتحدث ليس عن حالات طبيعية بل نماذج منضوية في مشروع “تهجير جماهيري” من تيار سياسي، وهذه لا بد أن يأتي مردودها عكسياً إن لم يكن مبرمجاً على نية إخراج بعض الدوائر المؤثرة من التيار، للتخفيف من تأثيراتها السياسية، ولا شك أن شرط الخروج من الحياة السياسية لا بد أن ينسحب على التيار ذاته، فما معنى الخروج طالما أن حالة البقاء سائدة؟
هذا الحديث، نمى الشكوك حول الرغبة المضمرة الاساسية في حل تيار المستقبل، او وضعه على الرف إلى حين، وهذا يأتي من خلال تجميد أي نشاط سياسي يزاوله البعض ويرفضه البقية المصرون وفق قاعدة التمرّد على أداء الأدوار سواء في الإعلام أو عبر السياسة بمعزل عن قرار القيادة، ما يحرج رئيس التيار الذي يطلب ببقاء الأمور على حالها واقتصار الحضور على بعض التعليقات من دون اي ظهور إعلامي، وضمن هذا السياق وجد البعض “عدم تقبل” لهذا الواقع فخرج مستقيلاً علّه يتحرّر من هذا الثقل ويحرّر من هم خلفه، فيما آخرون يصرون على المضي قدماً والبقاء في الموقع مهما بلغ الأمر!
ليبانون ديبايت – عبدالله قمح