يتقدّم النائب السابق وليد جنبلاط جموع المدافعين عن موسكو لبنانياً. لا يُرضي “البيك الإشتراكي” التعامل مع روسيا بطريقة “فجّة” تأتي بالضرر على لبنان “الصغير الذي لا يتحمّل”! لا يجوز أصلاً التصرّف مع موسكو من موقع العداء أو الخصومة طالما أن “الجماعة” يعطوننا إمتيازاً في كثير من المواضع، لذلك مضى يناوش “عالية القوم” تحت عنوان: إعادة التوازن ومنع الاستفراد بالموقف اللبناني.
المفارقة أن جنبلاط قرّر في هذا الموسم عدم الانحياز إلى الغرب على عكس عادته، رفض بيان “التهجم” على موسكو وانبرى يجري الاستقصاءات اللازمة لضبط هوية المسؤولين عن “توريطنا”، من ثم رفض قرار إدانة العملية الروسية في أوكرانيا وتصويت لبنان الايجابي في الأمم المتحدة واعتبره “لزوم ما لا يلزم” و “إقحاماً للبنان بشأن ليس له به”. وجنبلاط يمضي في اتجاه توسيع رقعة دفاعه عن موسكو، وينقل عنه إستيائه من رضوخ بعض من في السلطة إلى المطالب الغربية الداعية لادانة الروس وإلى هذه “البروباغندا العبثية”، ويبدو أن ثمة من وشى به لدى السفيرة الاميركية دوروثي شيا حتى جاءته معاتبة على ما قيل أنها مواقف أو تصرفات صدرت عنه لم ترق لـ”واشنطن”. لجنبلاط تبريره. موقف لبنان لم يقدم ولم يؤخر، فما الداعي لاقحام نفسه في قضية أكبر منه؟
بالنسبة إلى الموقف الحالي، لا بد أن الميزان يقيس جنبلاط على أنه يمثل رأس حربة عدم تطويق موسكو في بيروت ما يزعج الاميركيين تحديداً. نتحدث عن المشروع الجاري تدوينه بأحرف رسمية لقاء عمولة في السياسة و الاقتصاد، ولو أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ينطلق بموقفه من خلفيات تاريخية تربطه “بالدب الشرقي” منعزلة عن التقلبات التي تشتهر بها المختارة، ويتقاطع مع حزب الله المتقدم بدوره “رتل” مدرّعات الدفاع، في موسكو حيث مكتبه التمثيلي كما في بيروت “نقطة” قوته. ومن ما يعاين المشهد عن قرب، يدرك مدى العطب الذي لحقَ بالحلفاء (أو الشركاء) المفترضين لموسكو –أو هكذا يظنون- في بيروت. تصوروا أن يكون موقف رئاسة الجمهورية “هشّاً” إلى درجة التبني المطلق لوجهة النظر الغربية من خارج المقاييس الحسابية الطبيعية، ووزير الخارجية المحسوب على الرئاسة يعمل على عكس توجهات “تيار الرئيس” المكتفي بأداء دور التنصل من كل ما ورد، ولو بلغنا لقلنا أن التيار الذي لديه مندوب متحرك على خط موسكو/بيروت، غائب عن تقدير الموقف الحقيقي وتقديمه، فيما موقف سعد الحريري الذي يدعي أنه صديق روسيا في بيروت ويجاهر بعلاقته معها لا يقل سوءا، منقطع عن أي محاولة أو موقف منذ تاريخ بدء الازمة، فيما البحث جارٍ عن مستشاره الخاص الذي إختفى عن ردادات بوغدانوف.
الموقف اللبناني “السيء” بتقدير جهات دبلوماسية من الازمة الروسية – الأوكرانية بدأ ينعكس سلباً، وفي تقدير هؤلاء لم يكن لبنان يحتاج أن يتكبد نتائج أي موقف، وكان يكفيه بحكم وضعيته الهشّة أن يكتفي بمقاربة الموضوع بطريقة دبلوماسية من دون الدخول في “أحلاف”، لذلك يجدر أن يكون البحث عن أسباب هذا التوجه على رأس جدول أعمال أصحاب الحل والربط.
في الواقع، ما جرى ويجري يدل على حالة الخواء والتابعية السياسية التي تعصف بنا في أكثر من ملف بل وأتت كثمن لها، والموقف المتخذ من موسكو وقبلها من الخليج والنزاع اليمني – السعودي ومن سوريا والصراع فيها وعليها والموقف الهزيل ذات الصلة بحقوق لبنان في برّه وبحره، لا ينفصل عن سلسلة مواقف دفعها لبنان بشكل مسبق ليس للاميركيين وإنما لغيرهم ايضاً، ومرضاة لهم، ولعل أوجها ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، الذي بيع ويباع بأبخس الأثمان لقاء استجرار الغاز و الكهرباء والمال، وطبعاً الرأس والموقع في تركيبة تتهاوى!
منطق الابتزاز إذاً هو ما يحكم السياسة الخارجية للبنان. هاتٍ موقفاً في أوكرانيا وخذ غازاً وكهرباء من مصر و الاردن ومالاً من البنك الدولي أو هكذا يظنون، على وزن “أعطني الترسيم البحري وتخلى عن الخط 29 وخذ منّ الغاز وسلوى الكهرباء” وسيدوم الابتزاز ما حيينا واجب نقدمه عند كل مفصل ومنعطف او “كوع” دولي، وهكذا نمضي في رحاب الكبار هباء منثورة! عدة زيارات أمها سفراء وموفدين كان ثمنها أن أدى لبنان قسطاً عبر نص لا بد أن يرتد عليه حين يأتي يوم الحساب، و الآتي أعظم!
ch23