خيارات رئيس “التيّار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل، لم تعد مقبولةً أو مفهومةً بالنسبة إلى جزءٍ من القاعدة، ولعلّ أفقعها ، خيّار التعاون الإنتخابي مع حركة “أمل”، لذا يجد البعض أن “المشاغبة” مردودها ايجابي في مجال إسماع الصوت لقيادة تفضل عدم سماع المعترضين!
عانى باسيل كثيراً أثناء تسويقه للإيجابيات من وراء التعاون الإنتخابي في دوائر محددة مع حركة “أمل” خلال لقاءٍ تنظيمي مباشر وافتراضي أُجريَ مؤخراً. أحد المشاركين في اللقاء وهو في المناسبة برتبة “مسؤول”، ثارَ في وجه باسيل أمام الحضور وانتفض عليه، رافضاً السير كـ”قطيع” والإنقلاب فجأةً من ضفةٍ إلى أخرى. لم يرق ما حدثَ لباسيل الذي أخذَ النقاش إلى مكانٍ آخر ،حين رفض أن يتمّ التكلم معه بهذه الطريقة. لم يرتدع المسؤول وواصل طرح اعتراضاته على كيفية تحوّل المواقف بين ليلة وضحاها من دون العودة إلى القواعد، رافضاً التعاطي مع “شباب التيّار” بطريقة “دونية”.
على الرغم من ذلك، كان باسيل يجهد في إقناع الموجودين بأفضلية طروحاته. تحدث عن العداء لـ”إسرائيل”، وضرورة خوض الإنتخابات بالتحالف مع “الرافضين لتغوّل إسرائيل في المشهد اللبناني” ككتلة واحدة لتحصيل ما أمكن تحصيله. أكثر من الحديث عن العدو الإسرائيلي ودوره التخريبي، وصولاً لمحاولة الزجّ به كعنصرٍ مشارك في الإنتخابات النيابية اللبنانية، في توجّه يشكّل امتداداً للتشبيه من حيث الظروف عشية حرب تموز 2006. لكن لا يبدو أن “السالفة” قد مرّت على معظم الحاضرين رغم الجهود التي مورست لسد الفجوات التي نتجت عن الإنتخابات التمهيدية.
النقاش حامي الوطيس، ويبدو أن جبران سيتعب في إقناع القاعدة بالتحالف مع “الثنائي الشيعي”، نتحدث عن تحالف كامل الأوصاف، وللحقيقة يُسأل باسيل وحده عن هذا الخلل طالما أنه المسؤول عن أخذ “التياريين” بعيداً في مشروع مناهضة “حزب الله” وحركة “أمل” سياسياً -بصرف النظر عن الأسباب- فيحمّل الأول مسؤولية تغوّل الفساد والسكوت عنه، ويرمي بمسؤولية الإجهاز على العهد على عاتق الثاني، فكيف يُعقل أن يتمّ تخطي كل تلك الأسباب عبر خطاب؟ وما السبيل إلى إقناع جمهورٍ خاض النزال طيلة أكثر من 4 سنوات مع جمهور حركة “أمل” وصولاً لبلوغ المحرّمات تحت عنوان مواجهة محاصري بعبدا؟
السياسة التي اتّبعها باسيل بدا أنها تنقلب عليه، وربَّ قائلٍ إنه تورّط في الذهاب بعيداً في المواجهات الداخلية، حتى أقرب المقربين منه باتوا غير مستوعبين ما يحصل وسط شعورٍ بتنامي حالات الرفض النابعة من عدم قدرتهم عن الدفاع على خيارات الرئيس، رغم هامش النقاش اللامحدود ضمن القواعد الحزبية. بالنسبة إليهم، الدفاع عن موقف من “حزب الله”، أمر طبيعي و “مفهوم” مقارنةً بالدفاع عن حركة “أمل”، سياساتها وأفعالها مثلاً. الجمهور يتقبّل الحزب على الرغم من كل الاعتراضات و المآخذ، فيما الغالبية لديهم مآخذ سياسية فقط ولا مشكلة قاعدية مع جمهور المقاومة، إنما القضية مختلفة كلياً بالنسبة إلى “الحركة”.
المشكلة الأخرى، أن جبران التزم مع قيادة “حزب الله” الدافعة لإنجاز تعاون مع حركة “أمل”، يؤدي إلى تأمين نحو 6 مقاعد مسيحية متفرّقة، بأنه سيعمل على إقناع القاعدة بخياراته. في أحد المواضع جزم جبران بقدرته على ذلك، من دون أن يدرك مدى صعوبة الخطوة! تعامل معها برشاقة تامة على قاعدة أنهم سيقبلون في النهاية حين سيرتدّ التحالف أرقاماً ومقاعد، لكن وبمعزل عن هذه، هل سأل جبران كيف ستكون العلاقة في اليوم التالي مع “أمل”، أي حين تقفل الصناديق فيما لو قُدّر أن يقنع جمهوره بها؟
إلتزامات جبران أمام الحزب وضعته في مكانٍ لا يُحسد عليه، المطلوب منه بطبيعة الحال تأمين “سكور” العونيين في الدوائر المطلوبة، كي يحصل على المقاعد، والعواقب وخيمة في حال لم يحصل ذلك، أولها خسارة مقاعد يراها ضرورة للتعويض عن خسائر قد يدركها لاحقاً.
عودٌ على بدء، الأزمة تبدأ من عنديات جبران، هل كانت “تحرز” أن يأخذ قاعدته إلى مواجهةٍ فعداء على نحو ما حصل ويحصل، ثم يعود ويأتي ليعيد ترتيبها وفق طبيعة تحالفات ما قبل العام 2013؟
السؤال نفسه لا تنفكّ قواعد “أمل” المصدومة مما يحصل، تطرحه على نفسها. صحيح أن القواعد الخضراء أكثر التزاماً في عدم مناقشة القيادة حول خياراتها، لكنها تبقي النقاشات مفتوحة خلف الأبواب، وصولاً إلى بدء البحث عن الأثمان التي تمّ تكبيدها طيلة أعوام من المواجهة مع التيّار البرتقالي وما الذي تمّ تحصيله من ورائها.
يتفهّم جمهور “الحركة” أن الحاجة ضرورة، وبالتالي إن صون “الأكثرية” يحتّم مغادرة الخلافات والتوجه أكثر صوب التعاون، لكن كيف سيتمّ نسج هذا التعاون قبل ربع ساعة من افتتاح صناديق الإقتراع ودون العبور في ترتيبات لازمة لتهدئة الخواطر من جانب القاعدة، وما هو الضامن أن يتمّ تقريش التفاهمات أرقاماً في الصناديق وسط انعدام الثقة بين الجانبين؟
المصدر : “ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح