إذا كانت آلة الحرب بوجهها النافر هي الطائرة والدبابة والمدفع والصاروخ، وما قد تسببه من دمار وقتل وانهيارات اقتصادية، إلا انه في عصرنا الحديث أصبحت المقاطعة الاقتصادية وقطع العلاقات التجارية والمالية إحدى أشرس الآلات الحربية التي ينقضّ بواسطتها المتحاربون بعضهم على بعض.
مذ اطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صفارة الحرب على اوكرانيا، استنفر الغرب الاوروبي والاميركي للوقوف الى جانبها. وبدأت قرارات المقاطعة وتجميد الاصول والودائع ووضع قيود على التبادل التجاري مع روسيا تتوالى، اضافة الى وضع شخصيات عدة في مقدمهم بوتين شخصيا على لائحة العقوبات. ولا تزال المطالبات تعلو بمزيد من العقوبات السياسية والاقتصادية على روسيا للضغط عليها لوقف اجتياح اوكرانيا والانسحاب منها. وقد برز من بين هذه المطالبات إخراج روسيا من نظام “سويفت” العالمي، وما قد يستتبعه ذلك من عزل لمصارفها ومؤسساتها المالية عن العالم الخارجي ووقف التحويلات المالية منها واليها.
هذه الخطوة سلكت طريقها باعلان بعض دول الاتحاد الاوروبي حرمان روسيا من نظام “سويفت” المصرفي بما قد يشكل ضربة موجعة لنظامها المالي. ولعل من المفيد التذكير بآثار خطوة مماثلة عاقب بها الغرب ايران في العام 2012 على خلفية عدم امتثالها لشروطه النووية. فاستنادا الى إحصاءات مركز “كارنيغي موسكو” للأبحاث، أدى هذا الفصل الى خسارة طهران نصف عائدات تصدير النفط، اضافة الى نسبة تصل إلى 30% من تجارتها الخارجية.
فماذا يعني إخراج وفصل أي دولة من نظام “سويفت”؟ وما هو تأثير ذلك على عملة الدولة المعنية؟ وهل من نظام بديل قد يشكل متنفسا للدول التي تواجه مثل هذا العقاب؟
نظام “سويفت” هو نظام مراسلات مالية آمن بين المصارف أنشىء عام 1973 كبديل من نظام “التلكس”. ويتسم هذا النظام بطابع العالمية كونه يضم أكثر من 11 ألف مصرف حول العالم، وأي تحويل مالي يحصل بين مصرف وآخر يمر عبر هذا النظام وسواه من المراسلات التي تحمل التزامات كالكفالات والتعهدات بحيث أصبح الآلية الرئيسية لتمويل التجارة الدولية. وهو مملوك من الأعضاء فيه وهم مجموعة من المصارف المركزية العالمية التي تملك أسهماً فيه وعلى رأسها المصرف المركزي الفيديرالي الأميركي كونه المساهم الأكبر. مقرّ “سويفت” في بلجيكا وهو يخضع لقوانين الاتحاد الأوروبي ويلتزم العقوبات المالية التي تصدر عنه.
ووفق رئيس مكتب “جوستيسيا” للمحاماة الدكتور بول مرقص، فإن معاقبة دولة ما بإخراجها من نظام “سويفت” تعني أن كل المصارف والمؤسسات المالية التابعة لهذه الدولة لن تتمكن من إجراء تحويلات مالية إلى الخارج أو استقبال تحويلات خارجية، فضلاً عن إنهاء مختلف التعاملات الدولية. وفصلٌ كهذا يمكن أن يؤدي أيضا إلى انهيار في العملة الوطنية، وخصوصا أنه لا يوجد حاليا أي بديل كاف حول العالم من نظام المراسلات المالية هذا، بما يعني أن هذه الدولة باتت معزولة من نواح عدة مالية واقتصادية عن بقيّة الدول، وتاليا فان التحويل الداخلي المصرفي من دون الخارجي هو فقط الذي سيكون متاحا ما لم تتفق الدولة المفصولة مع دول أخرى على إجراء مراسلات للتحويل المالي في ما بينها عبر نظام مراسلات خاص بهما بديل من “سويفت”، رغم أنه من الصعب أن يرتقي إلى مستواه العالمي والثقة والأمان اللذين يمثلهما.
ويعتبر مرقص ان “إخراج دولة ما وفصلها عن نظام سويفت قد يكونان نتيجة عقوبات صادرة عن الاتحاد الأوروبي مثلما حصل مع إيران عندما تمّ إخراجها من نظام SWIFT عام 2012 كسابقة استثنائية، وذلك بموجب لائحة الاتحاد الأوروبي رقم 267/2012، التي حظرت مزوّدي الرسائل المالية المتخصصين، مثل SWIFT، من تزويد أي خدمات للمصارف الإيرانية الخاضعة لعقوبات الاتحاد الأوروبي”.
ويشير الى أنه “بعد فصل المصارف الإيرانية عن نظام SWIFT، خسرت البلاد ما يقارب نصف عائدات تصديرها من النفط و30% من تجارتها الخارجية، بما يعني أن التأثير سيكون على اقتصاد أي دولة أُخرجت بالقدر عينه، لا سيما إذا ما كانت تعتمد على التبادل التجاري الخارجي على نحو كبير، إضافة إلى التأثير السلبي الذي قد يلحق بدول أخرى إعتادت إجراء التبادل التجاري مع الدولة المفصولة وتخليص معاملات الدفع في ما بينها عبر المراسلات المصرفية والمالية من خلال نظام SWIFT، وأصبحت بحاجة إما الى إيجاد بديل من هذه الدولة المفصولة تؤمّن منها مستلزماتها، أو تجد حلا لإجراء الدفع عبر نظام آخر، وهو الأمر الذي لا يزال حتى الآن صعب التحقيق”.
ضاهر: بديل “سويفت” موجود
هددت روسيا في حال فصلها عن نظام “سويفت” بضرب الخط البحري للإنترنت، بما يعني أن عقوبة كهذه قد تشكل ضربة موجعة لها. ولكن المتخصص بالرقابة القضائية على المصارف المركزية المحامي باسكال ضاهر الذي لم ينفِ صعوبة هذه العقوبة على روسيا، أشار الى أن “ثمة بدائل، وإنْ ليست بقوة نظام “سويفت” وفعاليته، ولكن يمكن ان تساهم بتخفيف الضغوط عنها”. ولفت في هذا السياق الى أن روسيا أنشأت في العام 2014 نظاما خاصا بها يدعى SPFc (Financial messaging system of the Bank of Russia)، وقد بلغ عدد الدول المشاركة في هذا النظام 23 دولة. ويوضح المصرف المركزي الروسي ان عدد المراسلات على هذه الشبكة بلغ نحو مليونين في 2020 أي نحو خُمس حركة التراسل الداخلية الروسية، ويستهدف المصرف المركزي رفع النسبة إلى 30% في 2023. ولكن النظام الأفعل برأي ضاهر والذي يأتي بعد نظام “سويفت” هو “النظام الذي أنشأته الصين والذي يدعى cips “crossboarder interbank payment system” او “China Interbank Payment System”. هذا النظام يعتبر نظاما متطورا، وقد يشكل، على قول ضاهر، “متنفسا لروسيا في ظل العقوبات التي تُفرض عليها. هذا النظام يعمل تحت إشراف المصرف المركزي الصيني، ويعادل عدد العمليات التي تجري عبره نحو 13 ألف عملية يوميا. وأهميته تبرز أيضا في أن الصين وروسيا ينضمان الى المشروع الاقتصادي الموحد القائم بينهما وكل من البرازيل والهند وجنوب افريقيا ويدعى BRICS الذي يعدّ منظمة دولية مستقلة تعمل على تشجيع التعاون التجاري والسياسي والثقافي بين الدول المنضوية اليه، ويمكن من خلاله أن يعتمد وسائل دفع مختلفة قد تكون عبر النظام الصيني”.
وفي اطار الحديث عن انظمة “سويفت” وما يشابهها عالميا، يلفت ضاهر الى تطور متعلق بالعملات الرقمية التي ستجد مكانا لإرساء نظام متطور يحل مكان الانظمة البديلة من “سويفت” مستقبلا، مشيرا الى أن “الصين تفوقت على أميركا في مجال العملة الرقمية، وما اطلاقها لعملتها الرقمية “chia” “شيا” إلا في سياق خططها لإيجاد بدائل تقلل سيطرة الدولار على المدفوعات العالمية”. وتتميز chia عن العملات الرقمية الاخرى بانها عملة مركزية ومضمونة كعملة قانونية من الصين التي تخطط لأن تصبح هذه العملة الرقمية بديلاً آمناً من الشبكات المالية التقليدية، بغية التمويل والتحويل المتصل بالمدفوعات الحديثة”.
النهار