كتبت لبنى عويضة في “سكوبات عالمية“:
في بلدٍ لم يبقَ سبيل أمام أبنائه سوى الهجرة، صعق الشعب اللبناني بقرار الأمن العام مؤخراً والذي قضى بتحديد شروط تعجيزية للحصول على جواز سفر.
فكيف يمكن اتخاذ هكذا قرار في بلد الحريات؟
منذ ثورة 17 تشرين الأول 2019، سارع اللبنانيون لإصدار جوازات السفر ربما لإدراكهم أن واقع الحياة في هذا البلد بات مستحيلاً. فقد أشارت المعلومات أنه في عام 2021 تسلّم الأمن العام اللبناني 280.000 طلب للحصول على جوازات سفر. ولم تكتفِ الدولة العتيدة برفع رسوم جواز السفر بضعفي السعر، لا بل اتجهت لإصدار قرار تعجيزي من شأنه أن يصدم المجتمع الدولي عامة واللبناني خاصة الذي يقف حائراً أمام مصيره المجهول والذي كُتب عليه العناء والتفقير والموت حيّاً في بلد يفتقر لأدنى مقومات الحياة.
فالهجرة ما هي إلا طموح وحلم كل فرد في لبنان مهما اختلفت فئاتهم الاجتماعية أو أعمارهم، صحيح أنه منذ زمن طويل يسعى اللبناني للخروج من وطنه الأم، إلا أنه مع استفحال الأزمة الاقتصادية وإشتداد الأزمات بمختلف أشكالها، أصبح السفر هاجساً ولو حتى بواسطة “قوارب الموت”.
ولعل قرار الأمن العام يعاني من شوائب وثغرات جمّة، فأولاً الدستور اللبناني يكفل المساواة بين جميع المواطنين دون تمييز لأي سبب كان، وبالتالي فإن الانتقائية والإستنسابية بقبول طلبات جواز السفر أبعد ما يكون عن المساواة، كما أن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي أبرم عليها لبنان تنص على حرية التنقل والسفر، ناهيك عن الحق بالمساواة وهو من الحقوق الطبيعية والمقدسة في كافة أرجاء العالم.
شروط الحصول على جوازات السفر:
تعلن المديرية العامة للأمن العام عن إستقبال طلبات المواطنين للحصول أو إبدال جوازات السفر في دائرة العلاقات العامة وكافة المراكز الإقليمية، المسجّلين على المنصة أو الذين لديهم مواعيد مسبقة، فقط في حال عدم حيازة مقدم الطلب جواز سفر صالح أو في حال كانت صلاحية جواز سفره أقل من سنة ونصف لدى تقديم الطلب، إضافة إلى إستيفائه أحد الشروط المذكورة أدناه:
– حيازة المواطن على إقامة صالحة في الخارج.
– حيازة المواطن على سمة صالحة ملصقة على جواز السفر.
– حيازة المواطن على موعد سفارة مثبت ضمن شهر من تاريخ تقديم الطلب.
– متابعة الدراسة في الخارج على أن يتم ضم ما يثبت متابعته تحصيله العلمي في الخارج أو طلب تسجيل.
– متابعة علاج طبي في الخارج على أن يتم ضم التقارير اللازمة.
– قبول للعمل في الخارج على أن يتم ضم عقد عمل موقّع والمستندات اللازمة.
ملاحظة: في حال فقدان جواز السفر يجب توفر أحد الشروط المذكورة أعلاه.
والسؤال الذي يطرح نفسه: من هو المسؤول عن إصدار قرار منع اللبناني من الحصول على جواز سفر وعلى أي أساس بُني هذا القرار؟
وهنا تطرح فرضية الانتخابات النيابية والمشهد الانتخابي، فالأرقام تؤكد أن 10% من الشعب اللبناني قد هاجر إلى غير رجعة، وبالتالي هذا الأمر ومما لا يحمل الشك سينعكس عل ديمغرافية الانتخابات ونتائجها. ومن جهة أخرى، فإن الهجرة الجماعية التي يشهدها لبنان ستؤثر على الكفاءات في مختلف المجالات، وبالتالي سيزداد الوضع في لبنان سوداوية.
وبالرغم من التلميحات على أن هذا الإجراء سيكون مؤقت لأن الدولة اللبنانية لم يعد باستطاعتها تحمّل أعباء تكاليف إصدار جوازات السفر، إلا أن المواطن لا ذنب له بتحمّل تقاعس دولته وفشلها، في الوقت الذي يتمتع المسؤولون بالرفاهية والعيش بالنعيم.
فكيف باستطاعة اللبناني السفر إلى الدول التي لا تحتاج إلى تأشيرة دخول، أو حتى الحصول على موعد سفارة أو Visa من دون امتلاكه لجواز السفر الذي هو من حقه أساساً من دون قيود أو شروط؟
ما السبيل للخلاص من استبدادية هذه الدولة وأحكامها الجائرة؟
نقف اليوم حائرين ومصدومين بإنتظار أن يحرّك أحداً ساكناً ويعترض على هذا القرار “الخنفشاري” الذي لا أساس له من المنطق أو القانونية، والذي يثبت أنه ليس إلا قرار بمثابة حكم بالمؤبد داخل سجن تسمى “لبنان”.