يُفاخر مسؤولو الاقتصاد العباقرة في بلادنا بأنهم نجحوا في خفض سعر صرف الدولار الى 20 الف ليرة بعدما وصل الى أكثر من 30 الف ليرة، وينتظرون ان نعترف بفضلهم وإنجازهم العظيم ونقرّ بعبقريتهم الفذة، وقد أنسونا اننا كنّا في ألف خير قبل مجيئهم.
والمؤسف انّ الناس ما تزال متعلقة ومصرّة على الابقاء على من خرب الدنيا وأوصلنا الى التعتير، كما من المؤسف اننا ننسى المصائب التي نحن فيها، فيتلاعبون بنا ويجعلوننا نتقبّل خرابنا ونشكرهم عليه.
ويطلبون منا التحمّل من دون ان يطلعونا على سبب خرابنا، وعندما تسأل عن اسباب الخراب يطلبون التدقيق الجنائي ويصرّون عليه ويتناسون تقارير التدقيق في حسابات مصرف لبنان المركزي الذي أجرته شركتا «ديلويت اند توش» و«ارنست اند يونغ» على مدى سنوات والتي دفعنا اتعابها، يصرّون على التدقيق الجنائي ونكتشف بعدها انه تمّت عرقلته ويتوقف، ويطير التدقيق والمطالبة بالكشف عن التقارير ونعود الى نقطة الصفر، وتضيع الحقيقة، وهذا ما يريدونه.
يطلبون من الشعب ان يتحمل ولا يخبروه اين تبخّرت أمواله، وكأن ضبعاً أتى فجأة والتهَم الاموال وفاجأ الجميع، وكأن الامور كانت في خير لثلاثة عقود مرّت الى حين وصول الضبع الشرير، ومن غير المعقول انّ المسؤولين الكبار لم يعرفوا بقدوم الضبع، لا بد ان المصرف المركزي والمصارف أخبرتهم بذلك، فلو لم تخبرهم لكانوا «قصفوا عمرهم»، والوفاق اليوم بين مصرف لبنان والمصارف والمسؤولين يجعلك تتأكد من انهم كلهم كانوا يعرفون عن الضبع الّا المواطن العادي، ولكن بعض المسؤولين الكبار لم يتمكنوا من تحويل اموالهم في الوقت المناسب ربما بسبب توظيفها في استثمارات أو غير ذلك، لذلك اضطر المصرف المركزي وبعض المصارف «الشريفة» ان تسمح لهم بتحويل اموالهم الى الخارج بسرية بعد 17 تشرين الاول لكن بعضهم قد تمّ فضحه، اما المودعين الاوادم فحُجزت اموالهم، فأصبحت اموال الأقوياء أكثرها في الخارج، والدول القوية التي تطالبنا بمحاربة الفساد تعرفها جيداً، نحن لا نستطيع الوصول اليها او معرفة تفاصيلها، ولكن يبدو ان هذه الدول القوية راضية عنهم فلا تبادر الى الكشف عن حساباتهم، وعندما تطالبنا بمحاربة الفساد ربما تعني المودع الذي خسر أمواله، الدكنجي، الشوفير، الناطور، هؤلاء لا تعرفهم الدول فربما هم سبب الفساد في البلد، الآخرون الذين ذكرناهم، يحظون برضى هذه الدول فهي لم تسمّهم عندما تذكر الفساد ولم تطلع العالم على تفاصيل حساباتهم.
وبوقاحة يتحدثون عن توزيع الخسائر على الجميع وتحميل المودعين خسائر جديدة على رغم من انهم خسروا قسماً لا يُستهان به من ودائعهم، فعن اي خسائر يتحدثون؟ لقد حققت المصارف بقيادة المصرف المركزي أرباحاً خلال السنتين الماضيتين، ونحتاج اليوم الى كشف مفصّل بهذه الارباح.
بالطبع وقعت خسائر ولكنها وقعت على المودع الذي خسر جنى عمره، وعلى الموظف الذي فقد قيمة راتبه وتعويضه، ولكن المصارف حققت ارباحاً كبيرة. فهي اوقفت الفوائد على الودائع وأبقتها على القروض، بالاضافة الى وسائل ملتوية غريبة عجيبة قام بها كل مصرف على حساب المودع. فكم من مودع انهار تحت ضغط التخويف والارهاب والحاجة وقام ببيع شيك من وديعته بقيمة 100 الف دولار مقابل 20 الف دولار نقداً الى صرّاف، وتقول المصارف ان لا علاقة لها بالصرافين، وكأن هؤلاء الصرافين يأخذون الشيكات ليحتفظوا بهم كتذكار، وبأعجوبة ما يتم اقتطاع المبلغ من حساب المودع، بالاضافة الى وسائل ملتوية عدة ذكرناها مرارا في مقالات سابقة تمارسها المصارف لإجراء HAIRCUT على حسابات المودع.
نريد ان نعرف ارباح المصارف من جرّاء هذه الممارسات قبل الحديث عن الخسائر، وما هي القوانين التي أجازت للمصرف المركزي والمصارف التحكّم برقاب المودعين واستعمال هذه الاساليب؟
ونتوجه الى المواطنين بالقول: «رجاء، رجاء، رجاء»، لا تعيدوا من قام بذلك الى الحياة العامة والسياسية، لكن صوّتوا لهم اذا اردتم ان يستمر التعتير وان تبقوا مذلولين في سبيل لقمة العيش، اما اذا أردتم الخلاص والتغيير فانتخبوا من يترشح ضدهم.
والأهم الأهم إنتخبوا من يتعهّد بالشفافية المطلقة ويحارب لأجلها، طالبوا بالشفافية من كل مرشح في كافة المناطق اللبنانية، فلا شيء يحميكم من الضبع في الحاضر والمستقبل الّا الشفافية المطلقة.