في مواجهة التداعيات السلبية المحتملة على الأمن الغذائي اللبناني، سارع مجلس الوزراء أمس إلى تلقف كرة النار الروسية سعياً لتطويق شراراتها والحؤول دون انقطاع القمح من السوق المحلية، فقرر شراء 50 ألف طن “عند اقتضاء الحاجة” لتأمين حاجة الاستهلاك، وإعطاء المديرية العامة للحبوب والشمندر السكري سلفة خزينة لشراء 50 ألف طن من القمح المستورد المعد للطحن وصناعة الرغيف “مع جميع النفقات المتمّمة” بقيمة 36 ملياراً و500 مليون ليرة على أن تسدد لاحقاً من قيمة المبيع.
هذا على المستوى المعيشي تداركاً لاندلاع أزمة رغيف في البلد، أما على المستوى السياسي فاندلعت أمس أزمة ديبلوماسية على خط بيروت – موسكو عقب إدانة وزارة الخارجية اللبنانية “الاجتياح الروسي” لأوكرانيا، ما استدعى رداً مباشراً من السفارة الروسية في بيروت أعربت فيه عن “الدهشة” إزاء هذا الموقف، الذي قوبل بإشادة غربية عكستها زيارة الدعم التي قام بها سفيرا فرنسا وألمانيا للوزير عبد الله بو حبيب “لشكر لبنان على البيان الذي أصدره وتمنيا بقاءه على هذا الموقف وتبني القرار المقدم أمام مجلس الأمن بشأن الأزمة الأوكرانية والتصويت عليه في الجمعية العامة”… لكن وبعدما أدى موقف بو حبيب الغرض منه في استمالة الدول الغربية، بادر المسؤولون العونيون إلى تنفيذ انسحاب تكتيكي من ساحة المواجهة مع روسيا، ليضعوا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في “بوز المدفع” الروسي عبر محاولة تحميله وحيداً المسؤولية عن صدور هذا البيان، مقابل تنصّل العهد وتياره من مضامينه على أساس أن ما صدر عن وزارة الخارجية جرى بالتنسيق مع ميقاتي ولا يمثل وجهة نظر رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل.
فتحت وطأة هجمة قوى 8 آذار على بيان وزير الخارجية من الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية، والتي تفاوتت بين اكتفاء رئيس مجلس النواب نبيه بري بتأكيد عدم علمه المسبق به، وبين اعتباره “خرقاً للسيادة الوطنية لا يعبّر عن موقف لبنان” كما جاء على لسان النائب طلال أرسلان، وصولاً إلى مطالبة “الحزب السوري القومي” بو حبيب بـ”سحب الموقف والاعتذار عنه فوراً أو الاستقالة”… وأمام إعراب “حزب الله” الصريح عن الامتعاض من بيان “الخارجية” الذي يخدم “المصالح الأميركية” كما عبّر مسؤولون في “الحزب، كان القرار العوني بالتنصل سريعاً من المسؤولية عن صدور هذا البيان، فتوالت التسريبات والتصريحات التي تصب في خانة استرضاء الروس، بدءاً من المعلومات الإعلامية التي كشفت أنّ باسيل بادر إلى الاتصال بالسفير الروسي في بيروت ليؤكد له أنّ “التيار الوطني الحر” لا علاقة له بموقف وزير الخارجية، مروراً بتنديد مستشار رئيس الجمهورية للعلاقات الروسية أمل أبو زيد بهذا الموقف مبدياً نيته لقاء السفير الروسي وزيارة موسكو للاجتماع مع المسؤولين في الخارجية الروسية، وصولاً إلى تعميم موقع “التيار الوطني” الالكتروني أجواء وزارية تؤكد أنّ “موقف لبنان الرسمي يعود لرئيس الجمهورية الذي يتمتع ضمن دائرة اختصاصه بصلاحية التعبير عن سياسة لبنان الخارجية”، مع التشديد على أنّ ما جاء في بيان بو حبيب كان “كلاماً عالي النبرة لا فائدة منه، فنحن لدينا علاقات مميزة مع روسيا من الضروري الحفاظ عليها”.
أما وزير الخارجية، فأقرّ عقب خروجه أمس من جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في قصر بعبدا أنه “أخذ البيان بصدره”، رافضاً الإفصاح عما إذا كان نسّق مسبقاً الموقف الذي أصدره مع رئيس الجمهورية حرصاً منه على عدم إفشاء “أسرار الدولة”. وفي الجلسة التي قال إنه دخلها “مرتدياً سترة مضادة للرصاص” تجنباً لأي مواقف نارية تستهدفه من زملائه الوزراء الرافضين لإدانة الاجتياح الروسي لأوكرانيا، اقتصر الأمر على إعراب وزير العمل المحسوب على “حزب الله” مصطفى بيرم عن معارضته لبيان وزارة الخارجية بينما التزم وزيرا “حركة أمل” الصمت.
ومساءً، أبدى بو حبيب استغرابه لما تضمنه بيان السفارة الروسية، قائلاً لـ”نداء الوطن”: “كنت قد طلبتُ أمس (الأول) لقاء السفير الروسي في لبنان وأبلغته أنّ وزارة الخارجية اللبنانية بصدد إصدار بيان استنكار لما حصل (في أوكرانيا) ولم يعبّر لي عن موقفه بالشكل الذي ظهر (في بيان السفارة أمس) إنما اكتفى بالاستماع ثم أكملنا الجلسة بشكل عادي”.
وإذ لم ينفِ تلقيه انتقادات من وزراء مختلفين حيال ما جاء في البيان الذي أصدره، أوضح بو حبيب أنّ “القصة هي قصة مبدأ مبني على قرارات الشرعية الدولية، وأنا أصدرتُ البيان بناءً على قناعاتي ولم أتلقّ أي اعتراض”. أما عما تردد عن خروجه عن قرار “النأي بالنفس” للدولة اللبنانية، فأجاب: “مسألة النأي بالنفس تتعلق بعلاقتنا بدول الخليج، أما في موضوع أوكرانيا وروسيا فنحن كبلد كنا تحت الاحتلال وعانينا ما عانيناه جراء الاعتداءات علينا، فمن الطبيعي أن نكون ضد أي اعتداء من دولة كبرى على دولة صغرى”.