توقع أن تزداد أسعار المشتقات النفطية في السوق المحلية من بنزين ومازوت وغاز، في الأسابيع الثلاثة المقبلة، بزيادة أسبوعية أو حتى نصف أسبوعية تبلغ 15 ألف ليرة لكل صفيحة.
سبب الزيادة، كما هو واضح، الارتفاع في الأسعار العالمية التي قفزت بسبب التطورات العسكرية الجارية بين روسيا وأوكرانيا حالياً. فقد قفزت أسعار النفط إلى ما فوق 104 دولارات للبرميل الواحد، وانعكس هذا الأمر على المشتقات النفطية، فارتفع سعر طن البنزين من 900 دولار إلى 960 دولاراً، كما سجّل سعر المازوت ارتفاعاً مماثلاً. لكن هذه الزيادات ليست نهائية بعد، والأسعار مرشحة لمزيد من الارتفاع، إذ إن السيناريو الذي يُحتسب على أساسه ارتفاع السعر في السوق المحلية هو أن التسعير يتضمن متوسط الأسعار العالمية في الأسابيع الأربعة الأخيرة، وبالتالي فإن تحقق كامل الزيادة يتطلب في الحدّ الأدنى أربعة أسابيع، علماً بأنه خلال هذه الفترة قد تتغير الأسعار نحو الارتفاع أو الانخفاض وتؤثّر على المتوسط الذي يحتسب على أساسه السعر للمستهلك في لبنان
لكن المشكلة لا تنحصر بالمشتقات النفطية التي تنطوي على تزايد العجز في الميزان التجاري، وبالتالي تزايد العجز في ميزان المدفوعات، بل تتعلق أيضاً بسلاسل توريد السلع الآتية من البحر الأسود، ولا سيما من روسيا وأوكرانيا. فهذان البلدان هما المصدران الأساسيان للقمح إلى لبنان، ولمجموعة من السلع الأساسية مثل مشتقات النفط والخشب والزيوت وبعض المنتجات النباتية.
حجم التبادل التجاري بين لبنان وروسيا يبلغ 527 مليون دولار، غالبيتها مواد نفطية وقمح. أما حجم التبادل التجاري بين لبنان وأوكرانيا، فيبلغ 272 مليون دولار؛ أبرزها القمح والزيوت والخشب.
إذاً، تداعيات العمليات الروسية على النشاط التجاري انطلاقاً من البحر الأسود لن تكون متصلة فقط بتأثيرها على أسعار السلع المتداولة في البورصات العالمية كالنفط والقمح والذرة ومنتجات العلف، بل تتصل أيضاً بإنتاج وتوريد السلع من البلدان التي يرتبط تصديرها بالبحر الأسود. مولدافيا مثلاً ليس لديها مرافئ تصدير، وكانت تخزن القمح لدى أوكرانيا وتصدّره من هناك. فالقمح سلعة استراتيجية ولا تقاس فقط بكمية الدولارات التي ستنفقها لشراء مخزون، بل بمدى كفاية هذا المخزون للاستهلاك. والقمح الأوكراني أو الروسي لا يأتي فقط إلى لبنان، بل يذهب إلى غالبية دول حوض شرق المتوسط، وبالتالي فإن انعكاس الطلب على هذه السلعة سينعكس ارتفاعاً إضافياً في الأسعار ومزاحمة للحصول على الكميات.
وما يفاقم المشكلة أكثر العقوبات التي سيفرضها الأميركيون والأوروبيون على روسيا. إذ إنها ستؤدي بعد انتهاء الأعمال العسكرية إلى مشاكل إضافية في شراء الكميات وتسديد ثمنها، والبحث عن مصادر توريد جديدة، وبالتالي فإن ارتفاع الأسعار سيبقى لفترة أطول بعد انتهاء الأعمال العسكرية
المشكلة ستكون مضاعفة في لبنان. فارتفاع أسعار النفط يعني ضغطاً إضافياً على الدولار، سواء الطلب من السوق الحرّة أو التمويل بواسطة الدولارات المتوافرة لدى مصرف لبنان من مخزون الاحتياطات بالعملات الأجنبية. هذا الأمر يؤدي إلى استنزاف إضافي للدولارات، وضغط إضافي على سعر الصرف. والمشكلة لن تكون فقط في هذا الأمر، إذ إن وجود السلع سيكون رهناً بمدى قدرة لبنان على تأمين مصادر بديلة من روسيا وأوكرانيا، ولا سيما للسلع الأساسية. في كل الأحوال، أدى ارتفاع أسعار النفط وزيادة المخاوف من الأعمال العسكرية إلى ارتفاع كلفة النقل والشحن والتأمين وسائر الأكلاف المرتبطة بها، وبالتالي سنشهد ارتفاعاً في أسعار السلع التي ليس لها بديل منتج محلياً.