كان لبنان يتغنى بقوة نظامه التعليمي وبإنجازاته في العلوم والرياضيات واللغات والقراءة. لكننا اليوم نعاني من نظام أوصلنا إلى القعر وفرّط برصيدنا في مجال التعليم إلى حد أن تصنيف لبنان في الاختبارات الدولية بات في المراتب الاخيرة عربياً وعالمياً. تلامذة لبنان حلّوا في المرتبة الأخيرة في اختبارات TIMSS الدولية في الرياضيات والعلوم 2019، ما يعني أننا نشهد تدهوراً في مستويات التعليم ومخرجاته، فأداؤهم في الاختبار الذي يقيس جودة التعليم وفعاليته كان تحت المعدل العالمي، لا بل إن تصنيفنا بات في آخر اللائحة عربياً.
شهد لبنان انهياراً تسارع خلال السنوات الأخيرة بفعل سياسات تعليمية قاصرة. انتقلنا من التعثر إلى الانهيار، ما يثير تساؤلات عن جدوى سياسات تعليمية أفضت إلى أن نصبح متأخرين، خصوصاً أن التراجع في معدلات العلوم والرياضيات والقراءة بدأ منذ عام 2011. التربية كانت خلال العقد الماضي في آخر الاهتمامات. تعاملت السلطة مع هذا الملف ضمن منطق التوظيف والمحاصصة، فأحدثت خللاً بنيوياً لا يمكن تعويضه إلا بإعادة النظر في كل النظام التعليمي وممارساته واستقطاب الكفاءات وتعزيز البنية التعليمية بما يتناسب مع التطورات العالمية.
مناسبة الكلام حين نرى العجز يحجز أي إمكان للتطوير، بينما في بلدان قريبة منا نهضة في التربية تتخطانا بأشواط. وبدلاً من أن نتوقف أمام أسباب تراجع المستوى التعليمي، ننشغل بتأمين وصول المعلمين إلى المدارس. ففي الإمارات مثلاً تمكن منتدى قدوة – PISA للكفاءة العالمية 2022 من استقطاب خبراء متخصصين حول العالم، مناقشاً الفرص والتجارب والخبرات حول دمج الكفاءة العالمية في التعليم، أي دمج التعلم القائم على المهارات، وهي مسألة بالغة الأهمية للمستقبل.
لم يبادر لبنان إلى درس مواطن الضعف الاكاديمي للتلامذة اللبنانيين منذ أن بدأ التراجع وتسجيل مستويات متدنية، إذ يتبين أن لدينا مشكلة في المناهج تحتاج الى إعادة نظر وتعديل لمواكبة المفاهيم العلمية عالمياً، ويتصل الأمر بطرق التعليم وبالامتحانات وبالتحصيل، ثم توفير الموارد للمدارس، لكن الأهم يبقى في التركيز على دور المعلمين.
نسأل مثلاً عن كيفية إدخال أنظمة الكفاءة العالمية في التعلّم الذي يدمج الآليات العالمية مع السياقات المحلية، كما طُرح في منتدى قدوة-PISA، وأيضاً كما صاغه تقرير منظمة التعاون الاقتصادي “التفكير من منطلق الصورة الكبيرة”، ضمن برنامج التقييم الدولي للتلامذة (PISA)، فالتعليم يحتاج إلى الابتعاد عن الحفظ، والاهتمام بنقل المعرفة بالاعتماد على المناهج التي تركز أكثر على الترابط، وتعزيز الآراء الإيجابية والقيم والمهارات.
نحتاج إلى إصلاحات في التعليم، إذ لا يمكن مثلاً عزل المعدل المتدني للتلامذة اللبنانيين في الاختبارات الدولية عن نظام التعليم في لبنان، فلها وقعها في تقييم الانهيار الذي طاول هذا النظام في العشرية الأخيرة، وقد أظهرت ضعفاً خطيراً في قياس جودة المعرفة في مجالات القراءة والرياضيات والعلوم لدى تلامذتنا. أيضاً كشفت المسار الانحداري للتعليم في لبنان والعقم الذي يعصف بالمناهج، وأظهرت الانسداد في النظام في ظل سياسات ترتكز على حسابات ضيقة ومصالح وتنفيعات.
التقويم ضروري لاستخلاص العوامل التي تؤثر سلباً أو إيجاباً في تحصيل التلامذة بغية تحسين جودة التعليم ونتائجه، وفي هذا الأمر، السلطة مسؤولة أولاً وأخيراً عن اجتراح معالجات للخروج من القعر.
ابراهيم حيدر -النهار