في خطّة “كهرباء لبنان” التي عُرضت على الحكومة واطّلعت “النهار” عليها 4 بنود لافتة، من الشراكة مع القطاع الخاصّ من خلال امتيازات، إلى تعديل التعرفة شهريّاً وفق تقلّبات سعر الصرف بشكل فوريّ بعد إقرار الخطّة، وتوسيع دائرة مشاركة الطاقة المتجدّدة من إجماليّ الكهرباء المنتجة، وصولاً إلى 24 ساعة كهرباء في اليوم في العام 2026.
تستند الخطّة التي عرضها وزير الطاقة وليد فيّاض على زملائه في الحكومة بشكل كبير إلى تقرير البنك الدوليّ لعام 2021، والخطّة الوسيطة لتوليد الطاقة بأقلّ التكاليف من قبل مؤسّسة كهرباء لبنان الصادرة في أيلول 2021، وأوراق السياسات السابقة لقطاع الكهرباء في لبنان (حزيران 2010 وآذار 2019)، التي أقرّها مجلس الوزراء سابقًا.
اليوم، رغم قيام مؤسّسة كهرباء لبنان بتركيب نظام قدرة توليد الطاقة تبلغ فيه 1800 ميغاوات، إلّا أنّ قدرة المرفق على تلبية الطلب على الكهرباء، والتي كانت محدودة بالفعل قبل الأزمات الاقتصاديّة، قد تدهورت بشكل أكبر بسبب نقص إمدادات الوقود المستورد. ومنذ منتصف عام 2021، تضاءل إمداد الكهرباء إلى نحو 3-4 ساعات في اليوم بسبب عدم كفاية التدفّق النقديّ، والذي تفاقم بسبب تراجع رسوم المؤسّسة إلى أقلّ من سنت لكلّ كيلواط ساعة بسبب الانخفاض الكبير في قيمة الليرة في العامين ونصف العام الماضيين، وجرّاء التحدّيات في تأمين الدولار لدفع الجزء الأكبر من تكاليف مؤسّسة كهرباء لبنان المقيّمة بالدولار الأميركيّ.
تنصّ خطّة وزارة الطاقة التي اطّلعت عليها “النهار” على التحوّل من الفيول السائل إلى الغاز الأقلّ تكلفة، بالإضافة إلى اعتماد منهجيّة تسعير جديدة وتنفيذها لضمان استرداد تكاليف القطاع، والتي يتمّ تحديدها من خلال منهجيّة تسعير شفّافة، بعد إلغاء كلّ أشكال الدعم لضمان استعادة الاستقرار الماليّ الكلّي للبلد. وتنصّ الخطّة أيضاً على تمكين مشاركة القطاع الخاصّ من خلال الاستثمار والتشغيل في التوليد والتوزيع، لتحسين تقديم الخدمات بطريقة شفّافة وفعّالة من حيث التكلفة، على أن تكون مستدامة ماليّاً.
ذكرت الخطّة أنّ واردات الكهرباء من الأردن ستصل لبنان في العامين 2022 و2023، وأنّه بدءاً من هذا العام سيتمّ تحويل محطّة دير عمار من الفيول إلى الغاز. وستكون قدرة دير عمار الموقّتة في العام 2023 نحو 520 ميغاواطاً، بالإضافة إلى ذلك سيتمّ تحصيل 180 ميغاواطاً من الطاقة الشمسية في 2022 و2023 و300 ميغاواطٍ (+ 210 ميغاواط تخزين) من 2023 حتى 2025، و282 ميغاواطاً من الطاقة المائيّة.
على الصعيد الماليّ، تنصّ الخطّة على أن تعدّل التعرفة بدءاً من العام الحاليّ، استناداً إلى تحديد أسعار الصرف وأسعار الوقود. وورد في الخطّة أيضاً أن يتمّ الإفصاح عن البيانات الماليّة المدقّقة لمؤسّسة كهرباء لبنان سنويّاً، بالإضافة إلى نشر بيانات ماليّة ربع سنويّة غير مدقّقة بدءاً من العام 2022.
يعتمد لبنان حاليّاً، بشكل حصريّ على الوقود المستورد لتوليد الكهرباء، بصرف النظر عن إمدادات الطاقة الكهرومائيّة الصغيرة والمتغيّرة (100 ميغاوات). وهناك تدفّق محدود من زيت الوقود من العراق (60 كيلو طنّ في الشهر، أي قدرة إنتاج تبلغ 400 إلى 500 ميغاوات).
في ظلّ هذه الظروف، فإنّ إجماليّ إمداد الطاقة (500 ميغاوات) تلبّي 4 ساعات فقط من الكهرباء يوميّاً، بسعر يتراوح بين 0.5 و1 سنت للكيلواط ساعة. ولسداد الفجوة يعتمد الشعب اللبنانيّ على مولّدات خاصّة مكلفة وملوّثة بكلفة 31 سنتاً للكيلواط ساعة لتلبية احتياجاتهم الأساسيّة من الكهرباء.
لذلك تنصّ الخطّة على أن تزيد ساعات التغذية في السنوات المقبلة وفق الشكل الآتي: 8 إلى 10 ساعات كهرباء في العام 2022، 16 إلى 18 ساعة كهرباء في العام 2023، 16 إلى 20 ساعة كهرباء في العام 2024، و20 إلى 24 ساعة كهرباء في العام 2025، وصولاً إلى 24 ساعة كهرباء في العام 2026.
على المدى القصير، ستتمّ زيادة التعرفة القياسيّة الجديدة. كما ستتبنّى وزارة الطاقة والمياه آليّة احتساب جديدة لتعرفة مؤسّسة كهرباء لبنان، لتعكس التقلّبات في أسعار السوق لأسعار الوقود والعملات الأجنبيّة. ونظراً للوضع السياسيّ والماليّ الغامض في لبنان، ستتمّ مراجعة التعريفات شهريّاً لتلاقي تقلّبات أسعار العملات الأجنبيّة. وستأخذ هذه الآلية في الاعتبار أيضاً القدرة على تحمّل التكاليف من قبل المواطن، وفق ما جاء في الخطّة.
وتالياً، سيتمّ تعديل التعرفة ثمّ تخفيضها تدريجيّاً مع تنفيذ المبادرات المنصوص عنها في الخطّة، وستنخفض تكاليف القطاع بمرور الوقت. فالإصلاحات التي تشمل إضافة قدرة توليد فعّالة، بما في ذلك الطاقة المتجدّدة ، وتبديل الوقود، وتقليل الخسائر، لن تؤدّي فقط إلى زيادة العرض، ولكن أيضًا خفض التكاليف. وتشير التقديرات إلى أنّ التعرفة ستنخفض إلى 14,8 سنتاً للكيلواط ساعة بحلول عام 2026 إذا تمّ تنفيذ الخطّة، دائماً بحسب ما ورد في ورقة وزارة الطاقة.
وعلمت “النّهار” أنّه في العام 2022 سترفع وزارة الطاقة والمياه التعرفة لتحقيق متوسّط سعر أقلّ من 11 سنتًا للكيلواط ساعة للأسر التي يقلّ استهلاكها عن 400 كيلواط ساعة. وبالتالي، ستكون مؤسسة كهرباء لبنان قادرة على توفير 75 في المئة من الكهرباء الموزّعة بسعر أرخص 3،2 مرّات من المولّدات الخاصّة، وتحقيق استرداد تكاليف القطاع بحلول عام 2023، وفق تقديرات المعنيين. وسيتبع مسار التعرفة المقترح نمطاً متدرّجاً. تعرفة ميسورة للأسر الأكثر ضعفاً (التي من المرجّح أن تقع مستويات استهلاكها ضمن المجموعات الأولى)، وتنمو بشكل متناسب مع الاستهلاك.
كثيرة هي الخطط التي وضعت لإنقاذ الكهرباء في لبنان، ولم يكتب لأي منها فرص النجاح بسبب ألغام السياسة، فهل تبصر هذه الخطة النور وتنجح وسط كلّ التعقيدات السياسية والظروف المتغيرة دراماتيكياً، وتحت سيف المجتمع الدولي الراغب في رؤية الإصلاح، ورغبة العهد في إنهاء ولايته بانجاز ما؟ اللبناني يريد أن يحلم ويصدق، ولكن…