تجاوزَ مجلس الوزراء في جلسة الاعتمادات المالية الانتخابية وسلفة الكهرباء في بعبدا أمس التعيينات المجمدة في مجلس الانماء والاعمار والمجلس العسكري والمجلس الاعلى للدفاع والمتعثرة في «أمن الدولة» بالنظر الى حجم الغموض حول ما رافقَ الجزء الأول منها وما حال دون استكمالها. وعليه، كان لا بد من سرد الرواية الكاملة للأسباب التي أعاقت التعيينات في انتظار التوافق المفقود للمرة الأولى بين طرفي «الثنائي الشيعي».
أمّا وقد تجاوز مجلس الوزراء موضوع احالة مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2022 الى مجلس النواب على رغم من حجم الملاحظات التي عبّر عنها وزراء «الثنائي الشيعي» قبل ان تتطور عملية نَعيها على المستوى الديني والحزبي الشيعي الى حد التأكيد انّ مجلس الوزراء لم يبتّ بالموازنة ولم يصوت الوزراء عليها بعدما شهدت الجلسة جلبة غير متوقعة أعقبت رفعها. وامتدّت موجة الاستغراب الى اتهام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالتسرّع في الإعلان عن إقرارها محدداً نسب العجز والتقديرات الخاصة بالواردات ومصاريف الدولة لعامٍ كامل قبل ان يلفت الى انه لن يكون للبنانيين بعد اليوم كهرباء وماء بلا ثمن، داعياً ايّاهم الى «ان نتحمّل بعضنا بعضاً».
والى هذه المحطة التي عبّرت عن خلفية انّ الموازنة قد مرّت من دون اي إشكال دستوري وستكون في وقت قريب على مشرحة اللجان النيابية المتعددة قبل طرحها على جلسة تشريعية عامة، فقد توقفت مراجع سياسية أمام الظروف التي تتحكم بمصير التعيينات التي شملت عضو المجلس العسكري العميد بيار صعب والامين العام للمجلس الاعلى للدفاع العميد محمد المصطفى ومفوض الحكومة لدى مجلس الانماء والاعمار زياد نصر في وقت ما زال الاعتقاد سائداً بأنّ وزير المال لن يوقّع مراسيم تعيينهم قبل البَت بشروط «الثنائي» من هذه الخطوة. ووسط اكثر من سؤال عن حجم هذه الشروط ونوعيتها، فقد تعددت الروايات لكن ابرزها يتحدث عن توصيف لِما جرى على انه شكّل خروجاً على التفاهم الذي أفضى الى عودة وزراء الثنائي الى مجلس الوزراء في 24 كانون الثاني الماضي في خطوة تم ربطها بحصر مناقشات الحكومة بكل ما يتصل بالاوضاع المعيشية والموازنة العامة والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي بالإضافة الى كل ما يتصل بالتحضيرات الضرورية للانتخابات النيابية المقبلة، عدا عن الإتهام الذي طاولَ ميقاتي بأنه نصب فخاً للثنائي عبر إمرار هذه التعيينات من دون علمه ومن خارج جدول الاعمال.
وعليه، طرح السؤال، ان صح أنّ الأمر يتصل بالتفاهمات التي قادت إلى احياء العمل الحكومي فإنه لا يمكنها ان تستمر في مهماتها ما لم تقارب قضايا إدارية ومالية وعسكرية طارئة بحجم التعيينات التي طرحت والتي تمس مؤسستين عسكريتين كادتا ان تفقدا نصابهما وتهدد بشللهما في الأيام القليلة المقبلة. كما بالنسبة الى مجلس الإنماء والإعمار الذي يفتقد مفوض الحكومة، علماً ان مَن تم تعيينه انتدبَ للمهمة بالوكالة وليس بالاصالة. وان شملت الملاحظات تجاهل تعيين نائب المدير العام لامن الدولة، فالمسألة تقع على عاتق الثنائي الذي لم يبلّغ لا رئيس الجمهورية ولا رئيس الحكومة بالاسم المقترح وسط معلومات تتحدث عن تجاذبات بينهما لن تصل الى اختيار البديل من العميد سنان الذي احيل الى التقاعد.
وإن توقف البعض أمام بعض السيناريوهات التي تناولت مصير التعيينات الادارية التي تم البت بها فإنّ العودة الى وقائع جلسة مجلس الوزراء تنفي كثيرا منها، وتضعها في إطار لم يستوعب المعنيون بالطبخة أهدافها بعد، الى درجة اعتبرت تصرفات أصحابها بأنها «شعبوية» تُحاكي رَفض اللبنانيين حَجم الضرائب المباشرة وغير المباشرة التي أقرّتها على ابواب الانتخابات النيابية وقد شبعت تمحيصا وبحثا عميقا أخذ بكثير من ملاحظات وزراء الثنائي الى حد تكليف البعض منهم صَوغ مقترحاتهم من جلسة الى اخرى قبل انتهاء المسلسل الحكومي المالي بحلقاته الثماني التي استغرقتها عملية إخراج الموازنة بالصيغة التي طرحت على الجلسة الاخيرة.
إلا ان بعض المراقبين يدركون انّ من بين الحجج ما هو مُقنع، فقد كان الوزراء ينتظرون ان يضم الى مشروع الموازنة الجداول الخاصة التي تجري فرزا نهائيا واضحا بين تلك التي أُعفيت من الرسوم وتلك التي تم تعديلها إنفاذاً لوعدٍ قطعه وزير المال بوضعها بالتنسيق مع المعنيين في الوزارات والجمارك ومسؤولي المالية الكبار في اجتماعات قيل انّ وزارة المال ستستضيفها قبل جلسة القصر الاخيرة للبت بالصيغة النهائية. لكنّ الجواب جاهز وهو يقول انّ بعض السلع التي أعيد التأكيد على إعفائها من الرسوم هي معفية اصلاً منها، وان المناقشات التي شهدتها الجلسة «الفوضوية» في بعبدا شهدت تعديلات جديدة اقترح بعضها الوزراء الشيعة ايضاً وكلّف المدير العام لوزارة المال جورج معراوي الذي شارك في الاجتماع إعادة جدولتها وترجمتها نصوصاً ولوائح ترفع الى الوزراء وترفق بالمشروع المحال الى مجلس النواب.
والى هذه الملاحظات لا يمكن تجاهل انّ اعتراض وزراء الشيعة على التعيينات الادارية كان مبالغاً فيه، ويقول احد الوزراء انه سمع إشادة نادرة من وزير الاشغال علي حمية باقتراح تكليف زياد نصر وكفايته ومناقبيته المهنية، ليكلف موقع مفوض الحكومة لدى مجلس الانماء والاعمار والمفاضلة بينه وبين يحيى خميس المدير العام لتعاونية الموظفين. وعليه، كيف يمكن القول ان التعيينات عبرت من دون مناقشات.
والى هذه الملاحظات التي لم تعد سراً على اطراف عدة، فإنّ مسألة تعيين نائب المدير العام لامن الدولة استحوذت على كثير من المعلومات التي لم يتم البحث فيها وهي تقول ان الخلاف بلغ الذروة بين طرفي الثنائي الشيعي. في مقابل تأييد «حزب الله» لتعيين العميد انور حمية نائباً للمدير العام وهو من أبناء المؤسسة وهو طرح الى جانب اسم آخر من ضمن السلك أيضا وهو العميد حسين سلمان، فإنّ بري يفضّل ان يكون الموقع لضابط من الجنوب وليس من البقاع على ما تبلّغ معنيون بالمخرج. ولمّا تم التفاهم بعد وساطة قادها احد المسؤولين الامنيين على ان يكون الموقع من نصيب العميد حسن شقير الضابط القادم من مديرية التوجيه في الجيش اللبناني الى أمن الدولة وهو ابن الجنوب، سارعَ البعض الى الإعلان عن التفاهم عشية جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء الماضي ما أدى إلى «شَوشطة» الطبخة، الأمر الذي أدى إلى تأجيل البحث في استكمال التعيينات الى اجل غير مسمّى. ولتصدر دفعة واحدة بمجموعة من المراسيم بعد ضمان ان يوقعها وزير المال. وعليه، تأجل البحث في التعيينات العسكرية الجديدة الى جلسة اخرى وفي مرحلة تسمح بإحياء التفاهم لتجاوز المنطق الذي يقول انّ اعتراض الثنائي على التعيينات لم يكن لأنها غير مكتملة بل لأنها مرتبطة بتجاوز شروط العودة الى الحكومة، والتي ما زالت رهناً بتسوية عقدة المحقق العدلي وهي بعيدة المنال.
ويقول العارفون بأدقّ التفاصيل انّ التسوية النهائية للتعيينات ستشمل قبول استقالة المدير العام لامن الدولة اللواء طوني صليبا من موقعه كعسكري ليُعاد تعيينه فيه بصفته المدنية، فاستقالته الخطية هي أمام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لطرحها على مجلس الوزراء ساعة تنتهي الرواية الآنفة الذكر.