أثار اللقاء الذي جمع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، استغرابا في بداية الأسبوع الماضي، عندما تباحث الزعيمان في موسكو، وسط تساؤلات حول سبب فصل الزعيمين بطاولة يتعدى قياسها ستة أمتار.
والسبب بحسب وكالة “رويترز” هو رفض الرئيس الفرنسي الخضوع لبروتوكول الصحة الروسي وإجراء اختبار تشخيص “PCR” لكورونا عند وصوله، واكتفى ماكرون بإجراء مسحة في أنفه من طرف أطبائه الشخصيين وذلك لمنع ترك الحمض النووي لإيمانويل ماكرون متاحا للروس.
فما هي المعلومات التي تكشفها عينات الأنف لإجراء اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل ( بي سي أر) عن صاحبها؟
يؤكد عالم الوراثة السكانية في المركز الوطني للبحث العلمي والمتحف الوطني للتاريخ الطبيعي، الفرنسي بول فيردو، في اتصال مع موقع “سكاي نيوز عربية”، أن عينة البلعوم الأنفي تحتوي على الحمض النووي للشخص الذي يتم اختباره، حاله حال معظم السوائل التي ينتجها الجسم.
ويضيف: “تحتوي العينة المحصل عليها على مادتنا الجينية، وتلك الخاصة بـ Sras-Cov-2 – وهذا ما نبحث عنه عندما نجري اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) لمعرفة ما إذا كان الشخص إيجابdا لكوفيد-19”.
ويتابع: “حمضنا النووي موجود بكميات كبيرة في هذه العينة وهو ذو جودة أفضل من تلك التي يمكن أن تعثر عليها الشرطة مثلا في مسرح الجريمة. إنه حمض نووي واضح، وليس مجرد آثار يمكن استخلاصها وتنقى من أجل دراستها وتحليلها”.
ورغم أن الحمض النووي موجود في جميع أجزاء الجسم، ويمكن أن تبقى آثاره في الأدوات المستعملة، فإنها قد تكون بكميات قليلة أو ذات جودة أقل لأنها قد تكون ملوثة، عكس بلعوم الأنف.
ويوضح عالم الوراثة السكانية أنه من الناحية العلمية، يسمح الحمض النووي بعد تحليلات معقدة، بمعرفة الأمراض التي من الممكن أن تصيب الشخص مستقبلا.
ويتابع: “نقوم بذلك أحيانا في المستشفى من خلال الاختبارات الجينية. نتحقق مما إذا كان الحمض النووي للمرضى يحتوي على طفرات نعلم أنها تزيد من خطر الإصابة بمرض معين”.
وعلى سبيل المثال، كان هذا ما دفع نجمة السينما الأميركية أنجلينا جولي، إلى استئصال ثدييها في عام 2013 كإجراء وقائي، وذلك بعد إجرائها اختبارا جينيا وتحليله من قبل علماء وأطباء الوراثة.
واكتشف الأطباء من خلال ذلك الاختبار، وجود جين “بي.ار.سي.ايه1” أحد مسببات سرطان الثدي. وبعد عملية الاستئصال، انخفضت فرص إصابتها بسرطان الثدي من 87 في المئة إلى أقل من 5 في المئة.
وفي حالة الرئيس الفرنسي، إذا قام الروس بدراسة حمضه النووي واكتشفوا احتمال إصابته بأمراض معينة، قد يصبح الأمر مادة دسمة للصحافة الروسية والعالمية.
ومن جهة أخرى، تكشف اختبارات الحمض النووي-في بعض الدول المسموح فيها بإجراء مثل هذا الاختبار- عن الأصول العرقية بشكل نسبي.
ويفيد العالم الفرنسي، بأن معظم هذه الاختبارات ليست موثوقة، ولكن من الناحية النظرية، يمكن من خلال مقارنة المواد الجينية مع تلك المخزنة في قواعد البيانات العثور على أشخاص قريبين منك وراثيا.
ويضيف: “يضعون الحمض النووي الخاص بك في قاعدة بيانات، وإذا كان شخص آخر يشبهك، فيمكنهم بعد ذلك إخبارك أنه من المحتمل أن يكون قريبك إلى حد ما”.
ويختم فيردو حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية”، موضحا: “عموما، لكل هذه الأسباب وغيرها، يتم تأطير استغلال الحمض النووي بشكل كبير. وإذا خرجنا من العلوم الصارمة ودخلنا الخيال العلمي، يمكننا استخدام الحمض النووي لماكرون لتطوير فيروس يهاجمه هو فقط دون غيره باستخدام خصائصه الجينية. يبدو أن الأمر مستحيلا الآن، لكن من الناحية النظرية قد لا يكون مستحيلا تماما”.
ووفقا لوكالة رويترز، فقد أبلغت الرئاسة الروسية رئيس الدولة الفرنسية بهذا البروتوكول قبل وصوله، كما أن العديد من ديبلوماسيي الدول لم يتمكنوا من الاقتراب من فلاديمير بوتن خلال الزيارات الأخيرة إلى روسيا.