الجمعة, نوفمبر 22, 2024
الرئيسيةإقتصادأزمة لبنان ..فترة استثثنائية أم واقع حقيقي سيدوم؟

اضغط على الصورة لتحميل تطبيقنا للأخبار والوظائف على مدار الساعة 24/24

spot_img

أزمة لبنان ..فترة استثثنائية أم واقع حقيقي سيدوم؟

انضم الى قناتنا على الواتساب للأخبار والوظائف على مدار الساعة 24/24

spot_img

انضم الى قناتنا على التلغرام

spot_img

انضم الى مجموعتنا على الفيس بوك

spot_img

من الصعب عادة تقييم الحجم الاقتصادي الحقيقي للدول لأنها تمر عموماً في فترات ازدهار استثنائية ربما طويلة، كما في فترات صعبة انحدارية ربما تطول أيضاً. في فترات الازدهار، يكبر حجم الاقتصاد وترتفع قيمة الناتج المحلي الإجمالي وفي فترة الانحدار يحصل العكس تماماً. لكن المهم وربما الأهم أن نستطيع تقييم الحجم الحقيقي للاقتصاد، ما بين المضخم والانحداري. في لبنان اليوم، نعاني جميعا سوء الأوضاع الاقتصادية ونتساءل هل نمر في فترة استثنائية ربما تطول أم أننا نعيش في الوضع الحقيقي الذي سيدوم؟

مر لبنان في فترات ازدهار طويلة ناتجة طبعاً عن ظروف استثنائية داخلية وإقليمية أنتجت ازدهاراً كبيراً حتى سنة 1975. في تلك الفترة تميز لبنان بقيادات تاريخية في السياسة والمصارف وكافة القطاعات والمؤسسات. وضعت خلالها قوانين كبيرة كقانون النقد والتسليف الذي ميز لبنان ليس فقط إقليمياً وإنما أيضاً دولياً. كان لبنان مضرب مثل للأوضاع المستقرة وللنوعية المرتفعة في معظم الخدمات من التربية والتعليم إلى الصحة والطب والاستشفاء إلى المصارف والمال والتأمين وغيرها. في ذلك الوقت كانت الدول العربية تعاني أنظمة اعتمدت الاشتراكية والتأميم، فهاجر ألوف الأغنياء والخبرات إلى بيروت وأنشأوا المؤسسات التي ميزت اقتصادنا وما تزال. أصبح لبنان فعلاً «سويسرا الشرق» كما يرغب العالم في تذكيرنا به كلما ضاقت الأوضاع عندنا. أصبح الاقتصاد اللبناني رائداً ومميزاً ويقع بكل موضوعية في طليعة الاقتصادات العالمية من ناحية النوعية كما من ناحية المؤشرات الاقتصادية والمالية إذا ما احتسبت نسبة لعدد السكان. استقبلت جامعاتنا شابات وشباب المنطقة الراغبين في التعلم والنجاح، فشكلت هذه المجموعات القيادات الكبيرة لدول المنطقة. كذلك الأمر استقبلت المستشفيات من يحتاج لها من كل المنطقة وأحياناً من خارجها. أما المصارف فاستقبلت الأموال التي هاجرت فساهمت في إقراض الشركات اللبنانية التي ازدهرت بدورها. كل مؤسساتنا في تلك الفترة ميزت نفسها ليس فقط بسبب نشاط الداخل وإنما لأن لبنان لعب الدور الإقليمي الذي اتفق عليه الجميع واحتاجت إليه الدول الإقليمية والدولية.

هذه الفترة الاستثنائية الإيجابية طالت لعقود وانتجت اقتصاداً تنافسياً ونقداً افتخر به اللبنانيون، وكان الدولار يساوي أقل من 3 ليرات. حصلت حرب ال 75 وظننا بأكثريتنا أن الحرب لن تطول بالرغم من شراستها وظلمها وخرابها وأنه في كل حال سيعود لبنان إلى ما كان عليه قبل 1975. مرت السنوات والعقود ولم يتعافَ الاقتصاد اللبناني، بل تتدهور الأوضاع أكثر فأكثر. هذه الفترة من 1975 حتى اليوم هي طويلة دون شك ومؤلمة. فاللبناني لم يعد يعرف إذا كنا سنعود إلى فترة ما قبل 1975 اقتصادياً أو أقله إذا كانت الأوضاع ستقارب تلك الفترة أم أننا سنواصل غرقنا. هل تتحسن الأوضاع بعض الشيء مما يخفف الألم دون أن يلغيه؟ الإجابة لا علاقة لها بالتفاؤل أو التشاؤم بل بمدى قدرة لبنان اليوم على تحسين النتائج الاقتصادية مما يعيد العافية إلى قلوب وعقول وجيوب اللبنانيين؟ ترتبط الإجابة بتوافر العوامل الإيجابية التي صنعت اقتصاد لبنان أي هل العوامل نفسها موجودة أم أن هنالك بدائل فاعلة تعطي النتائج نفسها؟

 

أولاً: الوضع الدولي الذي يحترم أوجاعنا الحالية ويطالبنا بالإنقاذ بدأ من الأمم المتحدة إلى الفاتيكان وبقية الدول العربية والخارجية. المدهش ولأسباب متعددة إن الاستجابة الداخلية عموماً ضعيفة ربما لأن القدرة غائبة أو لأن المصالح تقضي باستمرار المساوئ الحالية. الاهتمام الدولي منصبّ اليوم على أمور ربما أخطر كالوضع الأوكراني والمفاوضات المرتبطة بالنووي الإيراني الذي يؤثر في الداخل اللبناني كما بسياسات متنوعة كالنووي الكوري الشمالي والطموحات الوطنية من صينية وغيرها. الوضع الدولي ربما سيبتعد عنا أكثر في الفترات القصيرة القادمة.

ثانياً: الوضع الإقليمي وهنا لم ننجح في إبقاء علاقاتنا مميزة مع الدول العربية. العلاقات قوية ليس فقط بسبب اللغة والثقافة، بل أيضاً بسبب المصالح الكبيرة التي تربطنا. هنا لبنان يعاني كثيراً، والظاهر أنه لا قدرة لنا على تحسين العلاقات ليس إلى ما كانت عليه قبل ال 75؛ بل كما كانت في التسعينات. هذا مقلق ويدعو إلى اليقظة والمعالجات الجدية الصامتة ربما تخفف الأوجاع والخسائر. حتماً لا يمكن في هذه الظروف أن نعيد لبنان إلى موقعه الذي كان قبل 75.

ثالثاً: الوضع الداخلي الذي لا يمكن لأحد أن يحسدنا عليه والذي يتميز بكافة أنواع الخلافات ليس فقط السياسية العادية، إنما الأساسية أي العقائدية وفي الهوية ووجهات النظر الاقتصادية والاجتماعية وخاصة الثقافية. كان لبنان قبل 1975 دولة مؤسسات وقوانين يحترمها اللبناني ويمارس أعماله فيها بكل جدية وإنتاج. كان لبنان دولة منتجة وتنافسية ومتميزة بالنوعية وليس بالحجم. وضعنا الداخلي صعب اليوم ونحن كمجتمع غير قادرين حتى على الحوار لأن الخلافات ليست تقنية فقط وإنما أكبر بكثير وأي حوار غير مدروس يمكن أن يسيء إلى الوضع الداخلي.

في ظل هذه الوقائع وان لم تتوافر بدائل، لا يمكننا الأمل واقعياً بالعودة إلى فترات ما قبل 1975 لأن الأوضاع الدولية والإقليمية كما الداخلية تغيرت كثيراً. ما هي البدائل الممكنة وإن لم تُعِدْنا إلى تلك الفترة، بل يمكن أن تحسن أوضاعنا الحالية وتخفف الخسائر وتعيد لبنان إلى مسيرة النمو؟ لا بد من التركيز على كل ما يرفع الإنتاجية الداخلية والتنافسية القطاعية، فلا بديل عن هذين العاملين الصعبين إذا أردنا فعلاً إنقاذ لبنان. رفع الإنتاجية كما التنافسية في القطاعين العام والخاص أساسي في كل الشركات والمؤسسات والقطاعات. هذا مهم جداً ويتم عبر المثابرة والجدية لأن هذه المرة لن يأتي الإنقاذ من الخارج، بل من الداخل مع بعض المساعدات الخارجية.

 

بموضوعية وشفافية نستطيع أن نقول إن الفترات الصعبة الحالية يمكن أن تطول أي أنها ليست آنيّة كما نعتقد. عندما نبدأ بالتفكير بهذا الاتجاه، يبدأ العمل الشاق والصعب من قبلنا وعندها تتحسن المعنويات لأننا نعرف عندها واقعنا ونتصرف على هذا الأساس. لا شك أن الانتخابات النيابية والرئاسية المقبلة هي محطات أساسية ضمن الطريق الطويل الذي يوصلنا في النهاية إلى شاطئ الأمان. الذي ينتظرنا هو ما انتظر وينتظر دول عدة وليس أكثر. علينا أن نعود إلى «أدام سميث» وما كتبه في سنة 1776 بأنه «ليس هنالك غذاء مجاني» بل عمل شاق للنهوض وهذا ما نواجهه اليوم.

د.لويس حبيقة

Ads Here




المادة السابقة
المقالة القادمة
مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة