خرج رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من جلسة مجلس الوزراء امس، مرتاحا الى انجاز الموازنة وابصارها النور بنجاح. وقد تحدث مطولا امام الاعلام عن الانجاز الذي تحقق مضيئا على حسنات هذه الموازنة وإن كان لم ينكر ان ثمة قرارات صعبة سيتعين على الحكومة اتخاذها في الفترة المستقبلية خاصة لدى صياغة خطة التعافي… الا ان الرجل لم يأت على ذكر الخلاف الذي حصل خلال الجلسة على خلفية التعيينات العسكرية التي تم اقرارها، ذلك انها تمت عن طريق “التهريب” اذا جاز القول، من دون ان يكون وزراء الثنائي الشيعي في صورتها، بحسب ما تقول مصادر سياسية مطّلعة لـ”المركزية”.
فبعد انجاز الموازنة، التي وللمفارقة، لم يعرف قسم كبير من الوزراء ان النقاش في شأنها انتهى وتم اقرارها، طرح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ملء عدد من المراكز الشاغرة وبدأها بتعيين المدير العام لمصلحة السكك الحديد والنقل زياد نصر في منصب مفوض الحكومة لدى مجلس الإنماء والإعمار خلفاً لوليد صافي الذي أحيل إلى التقاعد. وطرح عون تعيين العميد محمد المصطفى في منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع (من حصة السنّة) والعميد بيار صعب لملء شغور مقعد العضو الكاثوليكي في المجلس.
على الاثر، رفع وزير الثقافة باسم وزراء الثنائي الشيعي الصوت معترضا على هذه التعيينات التي أتت من خارج جدول الأعمال ولم يفاتحهم بها أحد. الا ان رئيس الجمهورية أصر على اقرارها موضحا ان بند ملء الشغور في المجلس العسكري يأتي بناءً على اقتراح من وزير الدفاع موريس سليم.
هذه الفوضى التي شهدها مجلس الوزراء، لم تخرج الى الاعلام إلا مساء. فقد بلغت اصداؤها عين التينة التي استشاطت غضبا وقد لوّحت اوساطها بأن رئيس مجلس النواب نبيه بري طلب من وزير المال يوسف خليل عدم توقيع مرسوم التعيينات، ما يعني انها ستبقى معلّقة حتى اشعار آخر. “الاستيذ” اعتبر ان رئيس الجمهورية تجاوزه و”فتح على حسابو”، خاصة وان جلسات مجلس الوزراء عادت الى الانعقاد لتمرير الملفات الحياتية المعيشية فقط، وثانيا لأنه لم يكن على علم بأن ثمة سلّة تعيينات على النار. كما ان بري عاتب على ميقاتي الذي “غافله” بالتعيينات التي شملت مسيحيين وسنة وتركت المقاعد الشيعية الشاغرة على حالها.
هل هذا التصعيد في موقف بري يعني ان مجلس الوزراء سيعود الى الاسر من جديد؟ على الارجح لا، تجيب المصادر، لان الثنائي يريد ان تستمر الجلسات وان تمضي حلحلة القضايا اليومية، قدما. لكن في المقابل، التعيينات التي انجزت أمس ستبقى على الرف الى ان يتم ايجاد تسوية ترضي الفريق الشيعي وهي على الأرجح لن تتأخر. فعلى ما يبدو، في جلسة مجلس الوزراء المقررة الثلثاء المقبل، سيتم فتح باب التعيينات من جديد على ان تشمل تعيين نائب رئيس جهاز أمن الدولة (منصب شيعي)، من ضمن اسماء يقترحها وزراء حزب الله وحركة أمل.
هذه الوقائع تؤكد ان الحكومة والبلاد، تُداران بمنطق المحاصصة و”مرّقلي لمرّقلك” التقليدي الذي أوصل لبنان الى ما هو عليه اليوم، حيث انهار كلّ شيء وصمَدت المحاصصة! فأي إصلاح يمكن توقّعُه من الطبقة الحاكمة هذه؟