التحضيرات الداخلية للاستحقاق الانتخابي جارية على قدم وساق، وكلّ فريق يجهّز عدّته وماكيناته وترشيحاته واستطلاعاته استعداداً لخوض المعركة، تقابلها حركة عربية ودولية داعمة لإجراء الانتخابات في موعدها. لكن هل ستحصل هذه الانتخابات أم ان هناك ما سيعطلها في اللحظات الأخيرة؟
السياسي الدكتور توفيق هندي يقول لـ”المركزية”: “لست مع إجراء الانتخابات، أولا لأن لبنان يرزح تحت احتلال ايراني من خلال حزب الله. فـ”الحزب” ليس تنظيما لبنانيا عادياً بل تنظيم من لبنان لكن علاقته عضوية مع الجمهورية الاسلامية في ايران، وهو عمليا المكون الرئيسي في فيلق القدس ومحور المقاومة، وبالتالي لبنان تحت الاحتلال الايراني. ثانيا، لبنان ليس دولة مارقة او فاشلة، بل يعيش حالة اللادولة، حيث تتوفر فيه بعض اشكال الدولة، وبالتالي فإن المسارات الدستورية اكانت انتخابات نيابية او رئاسية او تشكيل حكومات، هي مسارات في دولة شكلية مسيطر عليها من الاحتلال الايراني”، مشيراً الى ان “الانتخابات تدخل في هذه المسارات الدستورية، وكأن هناك دولة وانتخابات وديمقراطية في لبنان في حين ان كل هذا غير موجود، فالنتيجة ستكون بأن هذه الانتخابات لن تفيد الا المسيطر على السلطة اي حزب الله، وبالتالي، الاحتلال هو من سيربح هذه الانتخابات، في حال حصلت. أما اذا اعتبر أنه لن يربح الانتخابات، فسوف يفشّلها كونه يملك حاليا الاغلبية في المجلس النيابي، وبالتالي لن يسير في العملية الانتخابية، وسيفشلها في اللحظة الاخيرة. الآن يترك كل اللاعبين والمنخرطين في الانتخابات يتقاتلون مع بعضهم البعض، من المعارضة و”الثورة” وغيرهما. وهو في النهاية من يقرر حصول الانتخابات من عدمها ويبعد عنه الكؤوس المرة”.
ويعتبر هندي ان “هناك احتمالات عدة لتفشيل الانتخابات، يمكن ان يستخدمها حزب الله في اللحظات الأخيرة، اذا وجد انه لن يحصل على الاغلبية. قد يكون باستطاعته الحصول على الاغلبية بعد انسحاب سعد الحريري من الحياة السياسية وتجميد وضع تيار “المستقبل”. وبالتالي حزب الله يدرس وضعه ويقوم بالاستبيانات ويراقب ويعمل كأن الانتخابات حاصلة حتى يرى هل بإمكانه الحصول على الاغلبية. عندها قد يسير بالانتخابات. وهذه ستفيده لأنه سيجدد شباب شرعيته في شبه الدولة الموجودة، وسيثبت امام الراي العام والمجتمع الدولي أنه موجود والاقوى ليس فقط في طائفته الشيعية إنما ايضا لبنانيا، ولديه الاغلبية. أما في حال تبين له أنه لن يحصل على الاغلبية فسيفشل الانتخابات، بسبب أحداث امنية، لا علاقة له شكليا بها. وأمام هذا الواقع، وبين خيار حصول فراغ في المجلس النيابي أو التمديد له، سيفضل المجتمع الدولي التمديد وسيطلب أيضا من الحلفاء او الاشخاص الذين يمون عليهم، التمديد لأنه أفضل من الفراغ الدستوري في المجلس النيابي، وبالتالي سيكون الرابح حزب الله لأنه يملك الاغلبية. وينطلق من هذه الاغلبية الى رئاسة الجمهورية التي لا شك لدي ان مرشحه لها هو رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل. وبالتالي يكون باسيل بديلا عن الرئيس ميشال عون عند انتهاء ولايته، ولن يكون هناك فراغ”.
لكن باسيل لا يملك الثلثين بل الغالبية العادية، يجيب هندي: “لكن المادة 49 من الدستور تقول “يُنتخب الرئيس في الدورة الاولى بأغلبية ثلثي المجلس وفي الدورات التي تلي بأغلبية النصف زائد واحد”. في المرة الاخيرة فسرها مكتب المجلس بأنها تعني ان في حال حصول دعوة لانتخاب الرئيس ولم يحضر الثلثان تعتبر الجلسة الاولى كما لو أنها لم تحصل، وبرأيي هذا التفسير اتفقوا جميعا عليه حينها لأنه ناسب الجميع. أما اليوم فحزب الله يطلب من مكتب المجلس تفسير معاكس بمعنى انه اذا دعي الى جلسة انتخاب رئيس ولم يحضر ثلثا المجلس تعتبر الجلسة الاولى وقد حصلت، والجميع سيسير في هذا التفسير الجديد لمكتب المجلس لأنهم او حلفاء وتحت سطوة الحزب أو أنهم لا يجرأون على مخالفته. وبالتالي سيسيرون بهذا التفسير الذي برأيي هو التفسير الحقيقي”، مستطردا: “هذا هو مخطط حزب الله، وهذا ما سيحصل اذا بقي الوضع في الاقليم كما هو، ولم تحصل تطورات خطيرة من الآن حتى 15 أيار موعد الانتخابات”.
ولكن من الممكن ان تحصل الانتخابات وتتغير الغالبية، يجيب هندي: “عام 2005 كانت هناك أغلبية لـ14 آذار وفي 2009 ايضا ولكن لم تفعل اي شيء، لماذا؟ عندما يكون هناك وضع عسكري امني كما هو الوضع في لبنان، فإن المكون الرئيسي لميزان القوى هو المكون العسكري الامني، في حين ان المكون السياسي والشعبي والبرلماني يأتي في الدرجة الثانية. والمكون العسكري الامني هو بيد حزب الله وبالتالي حتى لو ان المعارضة وبعض الثورة حصلت على الاغلبية فلن يتحسن الوضع. وهنا نتذكر أيام الاحتلال السوري، حصلت حركة سيادية ناشطة، وكانت “قرنة شهوان” وكان “التيار الوطني الحر” ايضا في هذه الحركة السيادية، ثم كان “لقاء البريستول” ومن ثم 14 آذار. انما كل هذه الحركة كانت حركة سلمية ولم يكن احد يفكر في تغيير موازين القوى العسكرية. ما حدث هو تغير ميزان القوى العسكري من الخارج، عندما احتل الرئيس الاميركي جورج بوش العراق، فتقاطعت الحركة السيادية في لبنان، والتي كانت حركة سياسية اعتراضية وطنية وليس عسكرية، مع التطور الاقليمي العسكري، مما أدى الى إنهاء الاحتلال السوري للبنان”.
ويضيف: “اليوم ان لم يحدث شيء من هذا النوع، ما الذي سيقومون به للتغيير؟ سيغيرون في السياسة؟ سيحصلون على اغلبية معارضة في البرلمان؟ لا يمكن فعل شيء ولن تؤدي الى نتيجة. اذا نظرنا الى المشهد الانتخابي، ماذا نرى؟ اطرافا من الطبقة السياسية حتى لو كانوا معارضين، يملكون المال والدولة العميقة من خلال المحاصصات والزبائنية السياسية الموجودة في الادارات والاجهزة والقضاء. من يدير العملية الانتخابية؟ وزير الداخلية التابع لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي. ما هو القانون الانتخابي؟ هو القانون الذي أعطى اغلبية 72 نائبا في انتخابات الـ2018. من يملك الماكينات الانتخابية؟ الكبار. الصغار يختلفون بين بعضهم البعض ومن يصل بالتالي فبفضل الماكينات الانتخابية والخبرة الانتخابية والقدرة على استقطاب الاصوات وتوزيع الاصوات التفضيلية.
ولكن هل يواجه المعارضون فعليا حزب الله ام انهم سيفاوضونه ويقولون له انه مخطئ وانه يخرب لبنان ويجب ان يسلم سلاحه ويطلبون منه الجلوس على الطاولة للحوار؟ لكن الأهم بالنسبة لحزب الله سلاحه وارتباطه العضوي بايران ومشروعه بتصدير الثورة الاسلامية الى اصقاع العالم. وبالتالي هذه المسألة لن توصل الى اي نتيجة الا اعادة المشروعية الشعبية و”الشرعية” الدستورية الى الاحتلال الايراني والطبقة السياسية”.
ويختم هندي: “لكل هذه الاسباب اقول ان الذهاب نحو الانتخابات هو عديم الجدوى، حتى بالنسبة لتوفير ظروف معيشية افضل للبنانيين. بالعكس ما يجب فعله هو حصول حركة سيادية فعلية خارج اطر الدولة اللبنانية غير الموجودة اصلا، وبالتالي الاعتقاد بأن التغيير ممكن من خلال الانتخابات هو خارج الواقع ولا يؤدي الى اي نتيجة، لا بل نتيجته سوف تحبط الشعب اللبناني”.
المركزية