اكتشف علماء نوعا جديدا من فيروس “إتش آي في” (HIV) المسبب لمتلازمة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) في هولندا أشد عدوى وضررًا؛ مما يشير إلى أن الميكروبات المسببة للأمراض لا تتطور دائما فقط لكي تصبح أقل ضراوة، وفق ما ذكرته صحيفة إندبندنت (Independent).
وأظهر المتحور الجديد -ويحمل اسم “في بي” (VB)- وجود اختلافات كبيرة قبل العلاج بالعقاقير المضادة للفيروسات القهقرية مقارنة بالأفراد المصابين بمتحورات أخرى لفيروس الإيدز، كما يؤكد الباحثون، وبعضهم من جامعة أكسفورد البريطانية.
وحسب الدراسة -التي نشرت تفاصيلها الخميس الماضي بمجلة “ساينس” (Science) الأميركية؛ فإن الأفراد المصابين بهذا المتحور الجديد كان لديهم حمل فيروسي أعلى بـ3.5 إلى 5.5 مرات من المصابين بباقي المتحورات الأخرى.
أكثر من 38 مليون شخص في العالم
وفي الماضي، أثار الباحثون مخاوف من أن فيروس نقص المناعة المكتسبة -الذي يصيب أكثر من 38 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، وتسبب في وفاة 33 مليون شخص حتى الآن- يمكن أن يطور طفرات جديدة قد تكون لها تأثيرات كبيرة على سرعة انتقال الفيروس.
ويشير التحليل الجديد الذي أجري على أكثر من 100 مصاب إلى أن متحور “في بي” يزيد عدد الجزيئات الفيروسية في دم الشخص المريض ويجعله أكثر عرضة لنقل الفيروس، ورغم ذلك كان لدى الأفراد الذين لديهم المتحور الجديد عند بدء العلاج تعافٍ مماثل لجهاز المناعة والبقاء على قيد الحياة للأفراد المصابين بمتحورات أخرى.
ويتسبب فيروس الإيدز في تلف الجهاز المناعي عبر مهاجمة الخلايا الليمفاوية (خلايا عنقود التمايز” سي دي4 (CD4))، وأثبتت الدراسة أن معدل انخفاض هذه الخلايا لدى المصابين بالمتحور الجديد كان أسرع مرتين تقريبا؛ مما يعرضهم لخطر الإصابة بمرض الإيدز بسرعة أكبر بكثير.
ودعا العلماء إلى إنجاز مزيد من الدراسات لفهم الآلية التي تجعل متحور “في بي” أكثر قابلية للانتقال وإتلافا لجهاز المناعة، مما قد يؤدي إلى وضع أهداف جديدة للجيل التالي من الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية.
** الجينات الوراثية لفيروس الإيدز
وقال كريس وايمانت -أحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة من “معهد البيانات الضخمة” بجامعة أكسفورد- إنه “قبل إجراء هذا البحث كان من المعروف أن الجينات الوراثية لفيروس نقص المناعة المكتسبة ذات صلة بمستوى الضراوة، مما يعني أن تطور متحور جديد يمكن أن يغير تأثير الفيروس على الصحة. اكتشاف المتحور “في بي” أظهر ذلك حيث قدم مثالا نادرا للمخاطر التي يشكلها تطور الفوعة أو الحدة الفيروسية”.
كما أكدت الدراسة أيضا ضرورة مبادرة الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بفيروس الإيدز للوصول للاختبارات المنتظمة من أجل التشخيص المبكر ثم مباشرة العلاج الفوري.
وتم التعرف على المتحور الجديد أول مرة في 17 حالة إصابة بالفيروس في إطار مشروع “بي هايف”، وهو دراسة جارية تجمع عينات من جميع أنحاء أوروبا ومن أوغندا. ونظرا لأن 15 حالة من مجموع الحالات المكتشفة كان مصدرها هولندا؛ قام العلماء بتقييم بيانات مجموعة مكونة من أكثر من 6700 فرد مصاب بالإيدز من هذا البلد، حددوا منهم 92 فردا إضافيا مصابا بالمتحور الجديد.
** الإيدز أحد أبرز مشاكل الصحة العامة
وتقول منظمة الصحة العالمية إن فيروس الإيدز يشكّل أحد أبرز مشاكل الصحة العامة؛ إذ أدى حتى الآن إلى وفاة نحو 36.3 مليون شخص.
ولا يوجد علاج لعدوى الفيروس. وفي ظل تزايد إتاحة الوسائل الفعالة للوقاية من عدوى الفيروس وتشخيصها وعلاجها، بما فيها حالات العدوى الانتهازية، أصبحت عدوى هذا الفيروس حالة صحية مزمنة يمكن تدبيرها علاجيا، مما يمكّن المصابين بالفيروس من العيش أعمارا طويلة متمتعين بموفور الصحة.
وتضيف منظمة الصحة إلى أن التقديرات أشارت إلى أن عدد المصابين بالفيروس بلغ 37.7 مليون شخص في نهاية عام 2020، ويعيش أكثر من ثلثي هؤلاء المصابين (25.4 مليون شخص) في أفريقيا.
وفي عام 2020، توفي 680 ألف شخص بأسباب متعلقة بالفيروس، وأصيب بالفيروس 1.5 مليون شخص.
** الإيدز وجهاز المناعة
ويستهدف فيروس نقص المناعة البشرية جهاز مناعة الفرد ويضعف دفاعه ضد العديد من حالات العدوى وبعض أنواع السرطان التي يمكن للأفراد المتمتعين بجهاز مناعة سليم أن يتصدوا لها. وبعد أن يدمّر الفيروس وظيفة الخلايا المناعية ويعطلها، تتناقص المناعة تدريجيا عند الأفراد المصابين بعدوى الفيروس. وتُقاس عادةً وظيفة المناعة بعدد خلايا “عنقود التمايز4” (CD4).
وتتمثل المرحلة الأكثر تقدما للإصابة بعدوى الفيروس في متلازمة نقص المناعة البشرية (الأيدز) التي يمكن أن يستغرق تطورها عدة سنوات حسب كل فرد، إن لم تُعالج. ويُعرّف الإيدز بظهور أنواع معينة من السرطان أو العدوى أو سائر المظاهر السريرية الوخيمة المزمنة.
** علامات وأعراض الإيدز
تقول منظمة الصحة العالمية إن أعراض فيروس الإيدز تختلف باختلاف مرحلة العدوى. ورغم أن قدرة المتعايشين مع الفيروس على نقل العدوى غالبا تكون على أشدها في الأشهر القليلة الأولى اللاحقة للإصابة بالعدوى، فإن كثيرين منهم لا يدركون إصابتهم بالعدوى حتى مراحل متأخرة. وقد لا تظهر في الأسابيع القليلة الأولى اللاحقة للإصابة بعدوى الفيروس الأولية أي أعراض على المصاب، أو قد تظهر عليه أعراض مشابهة للإنفلونزا، ومنها الحمى أو الصداع أو الطفح الجلدي أو التهاب الحلق.
ونظرا إلى أن عدوى الفيروس تضعف جهاز المناعة تدريجيا، فقد تظهر على المصابين علامات وأعراض أخرى، مثل تورم الغدد اللمفاوية وفقدان الوزن والحمى والإسهال والسعال. ومن دون علاج قد تظهر عليهم أيضا أمراض وخيمة مثل السل، والتهاب السحايا بالمستخفيات، والالتهابات البكتيرية الوخيمة، وبعض أنواع السرطان مثل الأورام اللمفاوية وساركومة كابوزي.