اتّخذ القرار رسمياً باعتماد سعر الدولار الأميركي وفق منصة صيرفة كرسم جمركي على العديد من السلع المستوردة. وتم تحديد السلع الخاضعة للرسم بأنها توضع تحت خانة الكماليات، إضافةً الى تلك التي ينتج مثيل لها محّلياً. على أن يصبح القرار نافذاً مع إقرار الموازنة في مجلس النواب.
هذا ونصّت الموازنة أيضاً على نوعين آخرين من الزيادات: رسم 3% على كلّ البضائع الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة TVA، إلى جانب زيادة 10% على كلّ الأصناف المستوردة التي تصَنع محّلياً. هذه الزيادة في الضرائب على البضائع المستوردة سيدفع ثمنها الفقير خصوصاً أن البضائع المستوردة بأغلبها أرخص من المحلية. فعلى الصعيد الغذائي يتفاوت تأثير سعر صرف الضرائب والرسوم بحسب صنف السلع الغذائية أي ان تلك التي لا رسوم جمركية ولا قيمة مضافة عليها لن يطالها الارتفاع كالسكر والأرز والحبوب والزيوت… وأخرى ستتأثّر جزئياً وهي المعفاة من الرسوم لكن تخضع للـ TVA مثل الشاي ومعلّبات السمك… أما باقي الأصناف فستتأثّر كونها تخضع لرسم جمركي يتراوح بين 4 و5% كالأجبان ومعلبات الخضار والفطر…
ورغم التلطي خلف إعفاء المستوردات الغذائية والطبية والأدوية من أي رسوم وأعباء، إلا أن من المتوقّع أن يكون لهذه الإجراءات تداعيات اقتصادية واجتماعية كارثية ستطال جميع اللبنانيين لما لها من آثار سلبية على مختلف نواحي الحياة.
الخبير في الشؤون المالية والضريبيّة جمال القعقور يلفت عبر “المركزية” أن “رفع الدولار الجمركي أُرفِق بفرض ضرائب أخرى على اللبنانيين، في حين أن حجم الاقتصاد والسوق لا يتحمّل كلّ هذه الضرائب والسبب الأساسي هو الانكماش. من جهة، قدرة المواطن الشرائية لم تعد تؤمّن له كلّ حاجياته ومع الضرائب ستنخفض قدرته أكثر. ومن جهتهم، سيواجه التجار مشكلة في تأمين رأسمال الكلفة لمواصلة نشاطهم. إذ عندما ترتفع الرسوم الجمركية بملايين الليرات اللبنانية تتطلب في المقبال وجود كتلة نقدية لدى التجار، في حين أن أموالهم محتجزة في المصارف. بالتالي، لم يعد لديهم رأسمال كافٍ لتسديد الضرائب، ويعملون على تكوين آخر جديد”، مضيفاً “نتيجة هذه الظروف يضاف عليها انخفاض الإيرادات الجمركية في حدود الـ 50% بسبب التضخم وانخفاض القوّة الشرائية السنة الماضية، لن يتمكّن الجمرك اليوم من تحقيق هدفه المبني على اعتقاد أن بإمكانه تحصيل مبالغ ضخمة، ذلك لأن الاستيراد سيتراجع كثيراً وفي الوقت نفسه سيزداد التهريب”.
ويسأل “لماذا ترفع الضرائب في ظلّ انكماش وانعدام قدرة المواطن الشرائية، تزامناً مع عدم وجود حلّ جذري لكل المشاكل بدءاً من الدخل الفردي وتصحيح الأجور وغيرها العديد من المواضيع؟ فلو كان يتم العمل بحلول اقتصادية شاملة مع الاستعداد لبدء مشاريع وتحريك العجلة الاقتصادية، من الممكن إقرار ضرائب كهذه، إلا أن راهناً مصير البلد غير واضح وما من اتفاق مع البنك الدولي أو معرفة لحجم الكتلة النقدية التي سيمنحها أو حتى لحجم المشاريع المفترض الشروع بها. لذا، ما يحصل عبارة عن ترقيع واستمرار لسياسة الوزير السابق فؤاد السنيورة التي حصدت انهياراً كامل على الصعد النقدية، الضريبية، السياسة المالية ومداخيل الدولة. هذا النهج وهذه السياسة تعني أن البلد سيواصل انهياره”.
ويشرح القعقور أن “تعديل المادة 59 ينصّ على وضع رسم مقطوع قدره 3% لعشر سنوات على المستوردات الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة، بغض النظر عمّا إذا كان المستورد يتمتّع بالإعفاء من الرسوم أو من الضريبة، أي أنه حتّى لو كان معفياً سيدفع الـ 3% والاستثناء هنا محدّد بالبنزين وليس المحروقات، والمعدّات الصناعية ومواد أولية تستخدم للصناعة والزراعة، ومن غير الواضح الرابط بينها وبين إعلان الحكومة أنها ستعفي المواد الحياتية والمأكولات. في انتظار صدور الموازنة لمعرفة ما إذا تمّ تعديله في الحكومة”.
كذلك يتطرّق إلى الضريبة على القيمة المضافة “التي لا توضح مصير التاجر أو الطبيب أو المهندس… الذي حصل على مدخول سنة 2021 ناتج عن التضخم واصبحت إيراداته تفوق الـ 100 مليون ليرة في حين أنها لا توزاي نفس معادلة سعر الـ 1507 ليرة للدولار الجمركي، ولا يمكن لهم رفع أسعارهم 10% منعاً لتكبد الخسائر، ما يضطرهم الى عدم التصريح عن مدخولهم الفعلي. لذا، من الملحّ جدّاً إصدار تعديل اساسي حول هذه الضريبة وإضافة بند يلحظ هذه النقطة فوراً ضمن قانون الموازنة مع مفعول رجعي ابتداءً من 1/1/2021، مثلاً يمكن اعتماد مبلغ 75000 دولار على الأقلّ والتحديد ان الحدّ الخاضع للضريبة على القيمة المضافة للتجار والمكلفين هو مليار و500 مليون ليرة وإلا سيقع هؤلاء في مخالفة. هذه الثغرة دليل انعدام الرؤية الواضحة والشاملة لمن وضع الموازنة. فكيف تنظّم وزارة المالية الأمور الحياتية والضرائب من دون هذا البند الأساسي الذي سيعرّض الكثير من المكلفين لغرامات؟”.
ما الحلّ؟ أما بالنسبة إلى الحلول الممكنة ومن ضمنها اقتراح رفع الدولار الجمركي تدريجياً، فيوضح القعقور أنه “يكون بالرؤية الشاملة. الخطّة الاقتصادية الكاملة ترتبط بنظرة شاملة للملفات على كلّ الصعد. فبنود الموازنة وضعت على قاعدة “من كلّ وادي عصا”، والهدف الوحيد منها حصد الأموال، فنلاحظ وضع ضرائب ورسوم جمركية نسبةً للتضخم، لكنها لم تأت على ذكر اي بند حول الحلّ الشامل للرواتب والأجور، أما السلف الموقتة فلا تختلف عن إبرة المورفين التي ينتهي مفعولها. العلاج لمداخيل المواطنين يتم بالقطارة، الرؤية منعدمة حول التدفقات النقدية للمساعدات الدولية، كذلك ما من رؤية كاملة لمشاريع اسثتمارية ولخطوات مستقبلية، وطالما كلّ هذه النقاط لم تؤخذ في الاعتبار، ما داعي البدء بضريبة تصاعدية للجمرك؟”.
ويردف “صحيح الدولة أفلست وخسرت مداخيل ضخمة، لكن يجب تنفيذ العديد من الأولويات قبل سدّ عجزها بالضرائب. الحلّ يكون بالعودة إلى السبب الذي اوصل البلد إلى هذا العجز وهو ليس المواطن بل السياسي المسؤول والحكومات التي رأستها الميليشيات وتحالفت مع قوى السلطة المالية فبنت انظمة على مزاجها وفصّلت القرارات على قياسها بما يتناسب مع مصالحها فأعفت نفسها من الضرائب وتوسعت في أرباحها وأودعت أموالها في الخارج وجاءت اليوم لوضع حلول عن طريق رفع الأسعار على المواطن الذي لم يعد يحتمل أساساً. الحلّ الحالي أعرج وليس جذريا وشاملا”.
ويشير القعقور إلى ان “بعد إصلاح الخلل في كلّ المجالات وليس فقط مداخيل الدولة ترفع الضرائب، لكن الأهم أن يؤخد دخل المواطن في عين الاعتبار لا أن يكون مسألة هامشية. كذلك الحلّ يكون بالتواصل مع الهئيات الدولية والدول التي تدعي أنها تساعد لبنان، فلتساعده بالاموال المهربة وإعادة أموال للمودعين”.
المركزية