“كتبت فاطمة سلامة في موقع العهد:
يُصر قانونيون كُثر على ضرورة محاكمة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بتهمة “إساءة الأمانة”. الحاكم بموجب قانون “النقد والتسليف” لديه مهمة رئيسية وهي الحفاظ على ثبات وسلامة النقد في لبنان. كما يؤكد خبراء اقتصاديون أنّ الممارسات التي قام ويقوم بها دمّرت النقد المحلي وجعلته في الحضيض. يؤخذ على الحاكم أنّه لم يقف موقف المتفرّج على الانهيار الدراماتيكي لليرة فقط، بل أصدر تعاميم وقرارات حفرت عميقًا في الأزمة. تمامًا كما يؤخذ على الحاكم إيصال الوضع الى ما هو عليه عبر مدّ الصرافين بكميات كبيرة من الليرة اللبنانية في بداية الأزمة ما أشعل سوق الصرف.
كل ذلك يُضاف الى التدابير التي اتخذها سلامة لدعم التجار والتي استنزفت الاحتياطي ما انعكس تلقائيًا على سوق النقد وقدرة البنك المركزي. ولو عُدنا قليلًا الى الوراء لوجدنا أنّ ممارسات شتّى قام بها الحاكم فاقمت أزمة مصرف لبنان. يعيد الخبراء الإشارة في هذا الصدد الى ما ذكرته النيابة العامة الاتحادية السويسرية في طلب التعاون القضائي الذي وجّهته للحكومة اللبنانية في 27 تشرين الثاني 2020 والذي ذكرت فيه تفاصيل كافية لإدانة سلامة وآخرين ومحاكمتهم. وفق المطالعة السويسرية المؤلفة من 12 ورقة فإنّ حاكم مصرف لبنان قام بمساعدة أخيه رجا بتنظيم عملية “اختلاس” لأموال قدّرت بأكثر من 300 مليون دولار على نحو يضر بمصرف لبنان من خلال توقيعهما على عقد مؤرخ في 6 نيسان 2002 بين مصرف لبنان وشركة FORRY ASSOCIATES LTD في جزر فيرجن البريطانية.
مصدر قضائي مطّلع على نص المطالعة المذكورة يستغرب كيف لا يزال سلامة حرًّا، يستغرب كيف “تتكدّس” بحقه الدعاوى محليًا وخارجيًا ولا يزال في سدّة الحاكمية، كيف تُرك له العنان ليتحكّم بمصير النقد في لبنان على هواه. يسأل: أين كان سلامة كل الفترة الماضية وعلى مدى أكثر من عامين عندما كانت العملة تنهار شيئًا فشيئًا؟. اليوم تذكّر أن يتدخّل بالسوق النقدي ليهبط سعر صرف الدولار -بسحر ساحر- من 33 ألفًا الى نحو 20 ألفًا، يضيف المصدر الذي يُذكّر بمعزوفة سلامة، فكلمّا كان يُفاتَح بضرورة التدخل للجم تدهور الليرة كان يبادر للقول: “لا دولارات لديّ”، فمن أين أتى مصرف لبنان بالدولارات لنشهد التدخل الحالي؟ وهل إجراءاته للجم ارتفاع سعر الصرف مستدامة أو آنية؟.
الإجراءات مؤقتة
الخبير المالي والاقتصادي الدكتور حسن حمادة يجزم في حديث لموقع “العهد” الإخباري بأنّ الإجراءات التي يقوم بها مصرف لبنان هي إجراءات مؤقتة وليست مستدامة. سعر صرف الليرة يجب أن يعكس متانة وقوة وثقة بالاقتصاد. هذه العوامل الثلاثة غير متوفرة، وبالتالي فإنّ مصرف لبنان يسعى من خلال التعميم 161 لزيادة عرض الدولار في السوق اللبناني كي يقول للشعب اللبناني “أنا أعطي المصارف الدولار وبإمكانكم سحب ودائعكم بالعملة الأجنبية من البنوك”.
هل إجراءات مصرف لبنان للجم ارتفاع سعر صرف الدولار مستدامة؟
“غموض” يحيط مصادر الدولارات التي يضخها مصرف لبنان
وفي معرض حديثه، يوضح حمادة أن لا أحد بإمكانه معرفة من أين يؤمّن مصرف لبنان الدولارات التي يضخها حاليًا لأن لا شفافية في عمل وحسابات مصرف لبنان. وفق المتحدّث، يقولون إنّ مصرف لبنان يسعى لتأمين جزء من الدولارات التي يضخها من الـ”OMT” والتي تتراوح يوميًا بين مليون الى مليوني دولار، لكن مصرف لبنان فعليًا يضخ في السوق أكثر من هذا الرقم. كم يضخ في السوق يوميًا؟ يجيب حمادة بأنّ الأمور لا تزال غير واضحة، مرجحًا أن يتم تأمين الدولارات من عدة مصادر: جزء من الدولارات التي يضخها من الـ”OMT”، جزء من المساعدات التي تأتي للنازحين والتي يتم إيداعها في مصرف لبنان، جزء من حقوق السحب الخاصة، وجزء من الودائع.
الدولار سيُعاود ارتفاعه في اللحظة التي يتلاشى فيها مفعول التعميم
ويؤكّد حمادة: “بما أنّه لا يوجد خطّة مستدامة وخطّة تعافٍ وثقة بالاقتصاد اللبناني، فما يتم حاليًا هو إهدار ما تبقى من احتياطي في مصرف لبنان”. بكل بساطة، يجب أن تتزامن العملية مع خطة تعافٍ تؤمّن الاستقرار المالي، وما نراه أنّ مصرف لبنان يتدخّل حاليًا لكن في اللحظة التي يتلاشى فيها مفعول التعميم، فالدولار سيُعاود ارتفاعه لأن لا ثقة بالنظام المالي ولا السياسي القائم عليه لبنان.
ما تداعيات الإجراءات الحالية على الاقتصاد؟ يلفت حمادة الى أنّ التداعيات كثيرة، فنحن نخسر الاحتياطي اذا لم يكن هناك معالجة حقيقية لسبب الأزمة. كما نعلم فإنّ العملة تعكس الثقة بالاقتصاد وبالبلد وطالما عوامل الثقة غير متوفرة فما يحصل حاليًا هو هدر جزء أساسي من الاحتياط بالدولار الأميركي. وفي ظل الانهيار الحاصل على كافة الصعد، فإنّ القدرة الشرائية قد تستمر في التآكل. هبوط الدولار للأسف لم ينسحب على الأسعار وإن انسحب تراوح بين 10 و15 بالمئة كحد أقصى، بينما يجب أن تهبط الأسعار بحدود الـ33 بالمئة. وهنا يوضح حمادة أنّه وبمجرد أن يتلاشى مفعول التعميم في السوق قد نشهد المزيد من الارتفاعات بالأسعار والمزيد من التضخم.
ويشدّد حمادة على أنّ خطة التعافي المقترحة حاليًا والتي يتم على أساسها توزيع الخسائر هي فعليًا خطة لتمييع و”دولرة” الودائع عبر طباعة كمية هائلة من الليرة اللبنانية ما ينعكس مزيدًا من التضخم. وهنا يلفت حمادة الى أنّه كان باستطاعة مصرف لبنان السيطرة على الوضع النقدي منذ بداية الأزمة، سائلًا: لماذا لم يتم الأخذ بالخطة التي أفرزتها حكومة الرئيس السابق حسان دياب والتي لم يتجاوز فيها سعر صرف الدولار الخمسة آلاف ليرة؟ وفق حمادة، لو أنّ مصرف لبنان في ذلك الوقت تدخّل في السوق كما يتدخّل اليوم لدعم الليرة اللبنانية لم نكن لنصل الى دولار 5000 ليرة، لكنّه في ذلك الوقت رفض التدخل ليرتفع سعر الصرف الى مستويات قياسية.
ويشير حمادة الى أنّه يجري تحميل المودع اللبناني الخسارة الكبيرة، بالرغم من أنّ أصحاب المصارف يجب أن يتحملوا الخسائر بالدرجة الأولى ومن بعدهم المودعون، والمفارقة أنّ 75 بالمئة من الخسائر سيتحملها المودع في الاقتراح الذي تعده حكومة نجيب ميقاتي حاليًا، يختم حمادة.