لماذا الإنذار الشديد الذي وجّهه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بضرورة تسهيل التدقيق الجنائي إقتصر على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة فقط ولم يشمل كذلك كل سياسيي 8 و 14 أذار والتيار الوطني الحر المسؤولين المباشرين عن الدين العام والأزمة المالية والإقتصادية الوجودية الذي يمر بها الوطن اليوم نتيجة هدرهم للمال العام وأفلاسهم للدولة بصفقاتهم وسمسراتهم في الوزارات والمجالس والصناديق وكازينو لبنان التي إستلموها منذ إتفاق الطائف عام 1990 مرورًا بالـ 2005 وصولًا إلى اليوم .
نحن بالطبع إلى جانب الرئيس عون في مطالبته بضرورة البدء الفوري في التدقيق الجنائي بحسابات مصرف لبنان، ولكن يجب أن يشمل أيضا التدقيق الجنائي في حسابات باقي الوزارات والمجالس والصناديق العامة التي أدارتها هذه القوى ولا سيما وزارات المالية والصحة والتربية والأشغال والعمل والتنمية الإدارية والبيئة والطاقة والاتصالات. علما إن عجز الكهرباء بين هذه الوزارات بلغ لوحده 45 مليار دولار من قيمة الدين العام فشكل نصف هذه المديونية تقريبا وقد تراكم على الدولة خلال تعاقب وزراء التيار الوطني الحر على وزارة الطاقة منذ العام 2009 إلى اليوم .
مِن هنا كنا نتمنى أن يكون تحذير فخامته بضرورة تسهيل مصرف لبنان إنطلاقة عملية التدقيق الجنائي في حساباته شاملا كذلك التحذير لكل الوزارات والادارات والمجالس والصناديق التي كانت القوى السياسية تمرر من خلالها كل عمليات هدرها وسمسراتها من المشاريع والصفقات التي كانت تجريها فوق وتحت طاولة مجلس الوزراء وفي الغرف المغلقة بعيدا عن الإعلام منذ ثلاثين سنة إلى اليوم .
لذلك نعتبر أنه من الخطأ تحميل سلامة لوحده مسؤولية عرقلة التدقيق الجنائي في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن كل القوى السياسية دون إستثناء بمن فيهم التيار الوطني الحر هن الذين يعرقلون ولا يزالون يعرقلون أجراء التدقيق الجنائي منذ إتخاذ القرار به في جلسة مجلس الوزراء في 28 تموز عام 2020حتى اللحظة ويجميعهم يتلطون خلف سلامة . فهل نسيَ المعنيون أم تناسوا أن مجلس الوزراء عاد بعد أسابيع وعدل قراره بالتدقيق الجنائي هذا ليشمل إلى جانب مصرف لبنان كل الوزارات ومجلس الإنماء والإعمار ومجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة وصندوق المهجرين وكازينو لبنان.
حيث سارع سلامة يومذاك إلى بعث رسائل خطية لكل الوزارات والإدارات المعنية يطلب فيها من مسؤوليها إرسال موافقاتهم الخطية إلى مصرف لبنان ليسهلوا له كشف حسابات وزاراتهم ومجالسهم وصناديقهم منذ ثلاثين عاما إلى اليوم أمام مدققي شركة الفاريز التي كانت وزارة المالية قد وقعت عقد التدقيق الجنائي معها. ولكن للأسف حتى اليوم لم يتلقى مصرف لبنان جوابا واحدا بالموافقة على طلبه من أي من الوزارات والمجالس والصناديق المهمة والحساسة المعنية هذه. فلماذا إذن لم توجه الإنذارات والتحذيرات لسياسيي هذه القوى إسوة بسلامة؟ إلاً إذا كان المطلوب أن يكون سلامة هو “كبش فداء” الطبقة السياسية التي تعرقل هي في الحقيقة لا سلامة تنفيذ التدقيق الجنائي ، وتمنع على الوزراء التابعين لها وعلى ممثليها في الادارات العامة والصناديق والمجالس أن يتجاوبوا مع طلب مصرف لبنان.
على ضوء ما تقدم نتساءل لماذا إذن تحميل مصرف لبنان وحاكمه مسؤولية عرقلة التدقيق الجنائي لوحده علما انه هو بالأساس متجاوب معها والمعرقل الحقيقي للتدقيق غيره؟ ولماذا توجيه الإنذارات والتحذيرات له وحده ولا توجّه لقادة القوى السياسية وممثليهم في الوزارات والمجالس والصناديق؟ ولماذا يتوجه البعض نحوه ولا يتوجه إلى هؤلاء والضالع معظمهم بالفساد وهدر المال العام ؟ تساؤلات مع علامات إستفهام وتعجب كثيرة نطرحها وجوابها معروف: إنها معركة الرئاسة .
إنتهى.