وتجدر الاشارة إلى أنّ الرئيس برّي نال 98 صوتاً، مقابل 29 ورقة بيضاء وورقة ملغاة، عند انتخابه عام 2018 لرئاسة مجلس النواب. كذلك، لم يكن أمامه خصم ينافسه على الرئاسة. وكانت البلاد في تسويّة، وفي هدوء سياسيّ نسبيّ، وخصوصاً بين “المستقبل” و”التيار الوطني الحرّ” و”حركة أمل”. أمّا بعد 17 تشرين الاوّل 2019، فقد تبدّل المشهد كثيراً، من حيث فكّ التحالفات وقيام المجتمع المدني، وما سيُمثله في الانتخابات النيابيّة المقبلة من أصوات جديدة في المجلس النيابيّ، وخصوصاً بعد الازمات الاقتصاديّة والمعيشيّة التي يمرّ بها لبنان، وبعد التعويل على أصوات المغتربين في الخارج.
وفي هذا السياق، فإنّ قلاع “الثنائي الشيعي” في الجنوب والبقاع، بشكل خاص، لا تزال حصينة أمام أي خرق قد يحصل في الانتخابات المقبلة. فبدأت قواعدهما الاعداد للخطاب السياسيّ الانتخابيّ. هذا ما أعلنه منذ أيام نائب الامين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، عندما قال أنّ هناك فريقين في لبنان. الاوّل، يريد الحرب الاهليّة ومرتهن للخارج، والثاني، يدافع عن لبنان بوجه العدوّ الاسرائيليّ. ولعلّ أبرز قضيّة للقاعدة الشعبيّة لـ”الثنائي الشيعي” هي سلاح المقاومة.
وجاء عزوف الحريري، والطلب من نوابه والمقربين الاساسيين منه، والقيّمين على تيار “المستقبل”، بعدم الترشّح، ليزيد من فرص بروز وجوه جديدة معارضة للنهج السياسي القائم منذ العام 2005. ويبقى السؤال، من سيفوز بمقاعد المستقبل التي تركها الحريري؟
من الطبيعي أنّ يُعزّز “الثنائي الشيعي”، وخصوصاً “حزب الله” موقعه في القاعدة السنّية بعد قرار الحريري. في المقابل، تنتظر الاوساط تقديم شخصيات سنّية معارضة لسياسة الحريري، ومناهضة لـ”الثنائي الشيعي” أوراقها رسميّاً إلى وزارة الداخليّة. بالاضافة إلى كل ذلك، تتّجه الانظار إلى ما سيحققه المجتمع المدني في الشارع السنّي، وهذه المهّمة لن تكون صعبة عليه إذا كانت نسبة الاقتراع ضئيلة، وأحجم مناصرو “المستقبل” عن المشاركة في الانتخابات. فتأمين الحواصل سيكون سهلا لبعض اللوائح في بيروت الثانية وفي طرابلس. وهذا ما أكّدته الانتخابات الاخيرة، في دائرة بيروت الاولى على سبيل المثال، وفي عكار.
ومن أهّم سلبيات عزوف الحريري، زيادة المعارضة بوجه الاحزاب التقليديّة الحاكمة. فمعظم القوى المسيحيّة ذهبت إلى صفّ المعارضة. وتجدر الاشارة إلى أنّ هذه القوى لم تصوّت لبري في الانتخابات السابقة، مع “التيار الوطني الحرّ”. وإذا زادت من تمثيلها، إلى جانب المجتمع المدني والوجوه الجديدة، فمن شأن هذا الامر، أنّ يُصعّب الامور على انتخاب
بري، والدفع بمرشّح أمامه، وخصوصاً وأنّ هذه القوى تعمل للفوز ببعض النواب الشيعة في جبيل وزحلة، وأيضاً في مراكز نفوذ “الثنائي الشيعي”، بقاعاً.
ويوضح المحامي الدكتور بول مرقص رئيس مؤسسة ” JUSTICIA” الحقوقية والبروفسور في القانون لـ”لبنان 24″، أنّ “المجلس النيابي ينتخب اولا، ولمدة ولايته، الرئيس ونائب الرئيس، كلا منهما على حدة، بالاقتراع السّري، وبالغالبية المطلقة من أصوات المقترعين”. ويقول: “إذا لم تتوافر هذه الغالبية في هذه الدورة وفي دورة ثانية تعقبها، تجري دورة اقتراع ثالثة يكتفي بنتيجتها بالغالبية النسبية، واذا تساوت الاصوات فالاكبر سنا يعتبر منتخبا”. ويُضيف أنّ “الغالبية المطلقة هي النصف زائد واحد. أما النسبية، فهي الذي يحصل على أكثر الأصوات”.
وهنا بيت القصيد. فذهاب مقاعد “المستقبل” النيابيّة إلى شخصيات جديدة، نضيف إليها الاحزاب المسيحيّة والمجتمع المدني، والمستقلين، من شأنها أنّ تخلق أصواتاً معارضة بأكثر من 50 نائباً، ومن الممكن أن تُعيق انتخاب رئيسٍ لمجلس النواب في الدورة الاولى والثانية إذا زادت. أما المشكلة الثانيّة، فهي حجب الاصوات السنّية هذه المرّة، بالاضافة إلى المسيحيّة (القوات والتيار والكتائب) عن برّي.
ويعتبر مراقبون أنّ السياسة التوافقيّة هي التي تحكم لبنان. فإنّ لم يكن هناك من توافق، تُعطّل الحياة الدستوريّة. وهذا ما جرى مراراً عند الاختلاف على انتخاب رئيس للجمهوريّة، وتعطيل العمل الحكومي. وإنّ لم يكن هناك من توافق على انتخاب برّي لولاية سابعة في الدورة الثالثة أقلّه، من الممكن قيام “الثنائي الشيعي” والداعمين لبري بتطيير النصاب والجلسة، ريثما يتم إيجاد تسويّة جديدة، تُعيد الاستقرار السياسيّ، والانتظام في المؤسسات الدستوريّة.
في المقابل، يرى مراقبون أنّ نتائج الانتخابات المقبلة، مع بعض التغييرات البسيطة، لن تؤثر كثيرا على بنية المجلس النيابيّ، وبالتالي، لا قلق على انتخاب رئيس المجلس، طالما أنّ الاكثريّة ستظلّ مؤمّنة.