كتبت لبنى عويضة في “سكوبات عالمية“:
منذ عدة أسابيع تسعى الأوساط السياسية لبث الطمأنينة في نفوس المواطنين والتي يعود مغزاها لتحسن سعر صرف الدولار ومحاولة لجم السوق السوداء والسيطرة عليه، ذلك السوق الذي أنهك الاقتصاد اللبناني وشلّ مختلف القطاعات.
وفي مفارقة عجيبة، قام مصرف لبنان مؤخراً بمنح اللبنانيين رواتبهم على أساس العملة الأجنبية في سابقة هي الأولى بتاريخ لبنان، وبالتالي أصبح من الممكن للمواطن الذي يملك حساب بالليرة اللبنانية أن يتقاضاه بالدولار، فيما المودع الذي يملك حساب بالدولار لا يحق له سحب أمواله سوى بالليرة اللبنانية.
قواعد عشوائية لا تخضع لدراسة ولا لعلم، إنما هدفها الوحيد ومن “تحت الطاولة”، امتصاص غضب الشعب ومحاولة الوصول للمراحل المقبلة بأقل خسائر ممكنة، وهي ما تجرّ المواطن للدخول في نفق المضاربات المالية من دون حولٍ ولا قوة.
ولعل هذا الأمر يرخي بظلاله على الدوامة التي يعيش فيها اللبناني، ففجأة استيقظ الأخير على وجود مبالغ كبيرة من الدولارات التي استمر نضوبها لأشهر طويلة، وبقدرة قادر خرجت وبات من السهل الحصول على العملة الخضراء، أما اللعبة الجهنمية الأخطر تكمن في تآكل أموال اللبنانيين بالمصارف، سيما أن هذه اللعبة من ابتكار المصرف المركزي في محاولة فاشلة لتقليص حجم خسائره وديون الدولة.
بالمقابل، فإن البضائع المسعّرة على اساس الدولار، وبالرغم من تسجيله سعر صرف ما دون الــ20.000 ليرة لبنانية، إلا أنها لا تزال مسعّرة على أساس 33.000 ليرة مقابل كل دولار، وذلك في خطوة استباقية لتقلّب السوق السوداء، أو حتى ما يتم التداول به في الدهاليز عن رفع الدولار الجمركي ما يعني جنون الأسعار بشكل أكبر بكثير، وهنا يقف المواطن مكتوف الأيدي، فلا الرقابة ولا جولات وزارة الاقتصاد قادرة على وضع حدٍ للفوضى وحتى أنها لم تتكلل بالنجاح.
إذن، ومن أجل السعي للحد من الإنهيار، الاقتصادي الذي بات وشيكاً في دولة مشلولة، أطلق مصرف لبنان رصاصة الرحمة بعد أن خسرت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها وفقدان المودعين لأموالهم بالدولار في البنوك، وما هذه السياسة إلا محاولة أخيرة أو بالأحرى تجربة لا تنذر بالخير من أجل محاولة للتعويض عن الكم الهائل من الخسائر.
ولا يخفى أن النظام المصرفي بحالة احتضار، لكن السياسة المالية المتبعة اليوم تلوّح بقنبلة ستحكم على لبنان بالموت الرحيم، وستؤدي بلا أدنى شك لمزيد من البؤس والفقر للشعب، هذا الأخير الذي ما هو إلا ضحية تقع على عاتقه تحمّل الجزء الأكبر من الضرائب والانهيار والأعباء.
وفي النهاية، تربّع السياسيون على عرش السرقة والفساد، والتهموا “جنى عمر” الناس وتعبهم دون أن يرف لهم جفن، فيما ألقوا مسؤولية فسادهم وعجزهم على كاهل المواطنين بعد أن حمّلوهم فاتورة الخسارة التي جنتها الطبقة الحاكمة.