بدأ الحزب “التقدمي الإشتراكي” مؤخراً عمله الانتخابي المُكثف سعياً لترتيب اللوائح والمضي قدماً نحو ترشيح شخصياتٍ تشكل تقاطعاً بينه وبين الأحزاب الأخرى التي سيتحالف معها.
حالياً، فإن ما يبدو هو أنّ رئيس “التقدمي” النائب السابق وليد جنبلاط حسم خياراته السياسيّة، فمضى أكثر باتجاه “القوات اللبنانية” في تحالفٍ سياسي عريض، ليبتعد بذلك عن قاعدة تيار “المستقبل” الذي يرى فيه الانكفاء التّام.
بشكلٍ أو بآخر، فإنّ المعركة التي يخوضها جنبلاط ليست سهلة، في حين أن الأنظار تتجه إلى الدعائم الأساسية التي سيبني لوائحه الانتخابيّة عليها، أقله في الدوائر المفصليّة بالنسبة له مثل الشوف – عاليه، البقاع الغربي وبيروت الثانية. ومن هذا المُنطلق، يبدو أن جنبلاط انطلق في عملية ترتيب الأوراق لضمان هذه الدوائر وتحصيل ما يريده من نوّاب، إلا أنه يواجه مأزقاً كبيراً يتعلّق بأصوات الطائفة السنيّة.
لا يُنكر الحزب “التقدمي” أنّ تحالفه مع تيار “المستقبل” خلال الاستحقاقات الانتخابيّة شكل رافعة كبيرة للوائحه، خصوصاً في إقليم الخروب والبقاع الغربي. وهنا، تُثبت التجارب العمليّة أن “الإشتراكي” استفاد كثيراً من الأصوات التي كان يضمنها “المستقبل”، وبالتالي استطاع تحصيل حواصل انتخابيّة بسبب الدعم الذي كان يتلقاه من الرئيس سعد الحريري.
اليوم، فإن ما يظهرُ تماماً هو أن جنبلاط بتحالفه مع “القوات اللبنانية”، سيكون قد أرسى نهاية التحالف مع “المستقبل” ولو كان ذلك في إطارٍ غير مباشر. وعليه، فإن دعم جنبلاط للقوات سيشكلُ “نفوراً” لدى جماعة “المستقبل” إذ يعتبرُ هؤلاء أنّ حزب “القوات” انقلب على رئيسهم في لحظات مصيرية، وبالتالي لا يُمكن التسليم بأي تحالف معه.
انطلاقاً من هذا الأمر، يتبين أن جنبلاط خلال هذا الاستحقاق قد خسرَ فعلياً حليفاً سنُياً بارزاً بتحالفه مع “القوات”، إلا أنه لا مهرب لديه من ذلك. فمثلما لا يوجد بديل سني قوي يتحالف معه، لا يُمكن لجنبلاط اللجوء إلى أحضان” التيار الوطني الحر” كبديل مسيحي عن القوات، وسط المعركة السياسية الكبرى وفي ظلّ حرب التوازنات التي تُخاض حالياً.
ورغم هذه المشهدية الضبابيّة التي تسيطر على الصورة الانتخابية، يسعى جنبلاط اليوم إلى ضمان أصواتٍ سنية قدر الإمكان لاسيما في دائرة الشوف – عاليه، إذ أن قانون الانتخابات الحالي يفرض عليهِ تحصيل أي رافعةٍ شعبيّة تساهم في منحه حواصل انتخابية.
وخلال انتخابات العام 2018، استطاع تيار “المستقبل” أن يحصدَ نحو 15 ألف صوتاً في منطقة الشوف لمرشحيه محمد الحجار وغطاس خوري. فعلياً، فإن هذا الرقم كان يشكل حاصلاً انتخابياً وأكثر بقليل للائحة المصالحة التي كان يدعمها جنبلاط. أما اليوم، فإن نصف هذه الأصوات ستكون مفقودة، الأمر الذي يُحتّم على “الإشتراكي” البحث عن بديل.
وعلى هذا الأساس، كلف جنبلاط مسؤولين في حزبه بتكثيف الاتصالات مع الجماعة الإسلاميّة لتشكيل تحالف انتخابي في الشوف – عاليه. ولكن، هذا الأمر يطرح تساؤلات عديدة وهي: هل سيعتمد جنبلاط على الجماعة كحليفٍ أساسي؟ هل سيعطيها المكانة التي حظيَ بها “المستقبل”؟ هل يأمن جنبلاط كثيراً للجماعة في الشوف خصوصاً إنها حاولت سابقاً التحالف مع “الوطني الحر”؟ هل يمكن الاعتماد عليها في ظلّ التراجع السياسي والشعبي الذي تعيشه؟ هل يمكن لجنبلاط تسليم أوراقه لجهات لا تحظى برضى عربي؟ هل ستساهم الجماعة في تعويضِ خسارة “المستقبل” انتخابياً؟
حتماً، ما يبدو في الوقتِ الرّاهن هو أنّ جنبلاط لم يعطِ الجماعة كلمة لجعلها بديلاً عن “المستقبل”، لأن ذلك لا يخدمه انتخابياً بدرجة كافية كما أنه لا يخدمه سياسياً أيضاً. وواقعياً، فإن تأثير القاعدة الشعبية للجماعة الإسلامية متراجع في الشوف وسط الخلافات والانقسامات التي تضرب قياداتها، في حين أنّ الأنظار تتجه إلى مناطق وازنة في الشوف سيكون لها تأثيرٌ كبير على مسار الانتخابات بالنسبة لجنبلاط والجماعة الإسلامية. وهنا، فإن الرهان الجنبلاطي سيكون على برجا وشحيم كبلدتين كبيرتين لهما حيثية سياسية في الشوف. ففي الأولى، يمكن لجنبلاط أن يعمد إلى طرح اسمٍ يستطيع جذب الأصوات إليه في منطقته ومن المناطق الأخرى، وبالتالي يكون جنبلاط قد أرضى برجا هذه المرة بعدما كانت قد خسرت ممثلها في الندوة البرلمانية النائب السابق علاء الدين ترو إبان عدم ترشيحه للانتخابات النيابية عام 2018. وفي حال استطاع جنبلاط إعادة طرح الأخير أو أي شخصية أخرى لديها وزنٌ شعبي وانتخابي من جهات مقربة في برجا، فإن بإمكانه التقدم في الأوساط السنية انطلاقاً من الاعتبارات المناطقية التي ستلعب دورها بشكل كبير. وهنا، فإن جنبلاط يمكنه الاستفادة من أشخاص مقربين منه ومن حزبه أو من شخصيات مؤيدة؛ في حين أنه يستخدم الجماعة كـ”أداة” بشذرات من دعمٍ محدود كما درجت العادة، علماً أن الأخيرة تروّج إلى طرحها مرشحين للمقعدين السنيين، وهذا الأمر – الذي ما زال كلاماً – لن يروق أبداً لجنبلاط الذي تعود له كلمة الفصل في ذلك، إذ أنه يتمسك بأسماءٍ لا بديل عنها مثل النائب بلال عبدالله.
مع ذلك؛ فإن هناك مخاطرة في عملية تقسيم الأصوات بين المرشحين اللذين سيطرحهما جنبلاط للمقعدين عن الطائفة السنية، وهذا الأمر يستوجب دراية من رئيس “التقدمي” الذي قد يلجأ لأسلوب التعبئة العامة وتحديد شخصية لا تأخذ أصواتاً من الأخرى كي يضمن المقعدين السنيين وإلا سيخسر واحداً منهما. أما الرهان فيبقى أيضاً على الأصوات التي تؤيد جبهة جنبلاط السياسية وانقلبت فكرياً على حركات المجتمع المدني بعد المسار الأخير الذي شهدته البلاد.
ما يتوضّح أكثر هو أن جنبلاط يواجهُ مشاكل مع الأصوات السنية إذ لا حليف بديلا عن “المستقبل” في الوقت الراهن، إلا أن بعض الخروقات المناطقية قد تفي بالغرض، ويمكن أن تساهم في تشكيلِ جبهة داعمة للوائحه، كما أن عملية اختيار شخصيات مقربة من تيار “المستقبل” يمكن أن يلعب دوراً كبيراً لصالح اللائحة التي يلعبها جنبلاط. إضافة إلى ذلك، فإن حليف زعيم المختارة رئيس مجلس النواب نبيه بري لن يتركه في الشوف، ومن الممكن أن تصبّ الأصوات الشيعية المحسوبة على حركة “أمل” هناك لصالح مرشحه السني مثلما حصل في العام 2018.
إلا أنه رغم ذلك، تبقى الأمورُ في دائرة الخطر لأن النقص الذي تركه “المستقبل” لم يُعوّض حتى الآن، وهذا الأمر يسعى جنبلاط لتداركه بكل الوسائل تجنباً لأي خسارة وازنة. مع هذا، فإن الخطر الأكبر الذي يلوح في أفق جنبلاط يرتبط بالمرشحين السنة الذين قد تطرحهما الأطراف الأخرى المقابلة مثل” التيار الوطني الحر” أو جهات أخرى. ففي حال لعب الأخير على وتر المناطقية مع حلفائه؛ فإن خلط الأوراق سيختلف، ومن الممكن أن يضمن جنبلاط مقعداً سنياً واحداً ولكنه قد لا يضمن الثاني في حال لم يطرح مرشحين سنييّن قويين، وبالتالي قد يذهب أحد المقعدين للوائح المقابلة، والمشكلة هي عندما يكون المرشح السني هناك مؤيداً لقوى 8 آذار التي يخوض جنبلاط معركة شرسة ضدها.