الفرحة بتسديد الودائع والرواتب الموطّنة بالدولار، أكانت بالعملة الوطنية أم الأجنبية، لم تدم طويلاً. فالمواطنون تلقوا ضربتين، الأولى تمثلت بعدم تراجع أسعار السلع والمواد الغذائية بنسبة تراجع الدولار نفسها. فيما تمثلت الثانية بانخفاض سعر صرف الدولار بالسوق الموازية عن السعر على منصة صيرفة. وما “زاد الطين بلة”، رفض المصارف السماح لزبائنها مطلع هذا الشهر سحب مستحقاتهم بالليرة وإجبارهم على تقاضيها بالدولار على سعر المنصة، الأمر الذي خسّر الموظفين من أصحاب الرواتب الموطّنة والمودعين ما لا يقل عن 10 في المئة من قيمة السحوبات، فاضطر قسم كبير منهم إلى سحب راتبه بالدولار وتصريفه على سعر أقل في السوق الموازية.
هذه الإجراءات التي تهدف إلى خلق طلب اصطناعي على الليرة، والاستمرار بالضغط لتخفيض سعر صرف الدولار لا تمثل الحل بالنسبة إلى الخبراء، بل العكس “هي المشكلة بحد ذاتها، فيما البديل الجدي والحقيقي هو تخفيض عجز الخزينة من خلال الإجراءات الإصلاحية الحقيقية. والفرصة اليوم مؤاتية مع مناقشة السلطة التنفيذية مشروع الموازنة المفترض بها أن تكون الإطار الحقيقي للإصلاح، الأمر الذي يحسّن تلقائياً سعر الصرف. وفي المقابل، فإنّ فتح السوق أمام المنافسة يساهم في انخفاض الأسعار، بدلاً من “الكبسات” التفتيشية التي لم تعد تخيف أحداً من التجار. فعدا عن أن تنفيذ محضر الضبط يتطلب أشهراً وسنوات، فإن قيمته بالليرة اللبنانية، لا تعادل ربح يوم واحد من الأسعار المتلاعب بها.
أكثر من عامين على الأزمة، ولم تنتبه السلطة بشقيها التنفيذي والنقدي أن الإجراءات الاصطناعية المترافقة مع التهديدات البوليسية لا تحلّ الأزمة؛ وإن نجحت فنتائجها محدودة… ومن بعدها تعود الأسعار إلى الارتفاع أكثر ممّا كانت عليه، فيما الحل الوحيد طويل الأمد يمكن اختصاره بالبدء فوراً بالإصلاحات.
نداء الوطن