قضت الأزمة الاقتصادية وتدهور قيمة العملة الوطنية مقابل ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي على حقّ المواطن اللبناني في الحصول على الغذاء، وأصبحت أسعار السلع الغذائية مخيفة، خصوصاً بعد أن تخطّى سعر الصرف الأسود الـ 30000 ليرة لبنانية. ورغم معاودة انخفاضة ووصوله اليوم إلى ما دون 20000 ليرة، لا تزال أسعار السلع في السوبرماكت والمواد الغذائية على حالها، لا بل ارتفع سعر بعض الأصناف . وفي حين عمدت وزارة الاقتصاد والتجارة إلى تسطير محاضر ضبط في حقّ التجار المخالفين لا يبدو أن هذه الخطوة كانت رادعة، لذا التجار وأصحاب السوبرماركت مهددون اليوم بالسجن، إذ تنوي الوزارة بالتعاون مع النيابة العام المالية إجراء دوريات فجائية على مؤسسات بيع المواد الغذائية وسيعمد مكتب الجرائم المالية إلى توقيف المخالفين فوراً وإقفال محالهم بالشمع الأحمر.
وتعدّ اللحوم من بين الأصناف الغذائية الأساسية التي حرم منها أغلب اللبنانيين بعد ارتفاع أسعارها، فألغيت من طبقهم أو خفّضت كمية تناولها، وحتى مع تراجع سعر الصرف لا يزال البعض يرى أن سعرها مرتفع ويتفاوت بين ملحمة وأخرى.
وفي السياق، يوضح أمين سرّ نقابة اتّحاد القصابين وتجّار المواشي ماجد عيد أن “اللحوم هي السلع الوحيدة التي تلحق الدولار الأسود فينخفض سعرها مباشرةً مع كل تراجع له، وهذا ينطبق على مختلف المناطق. ويعود خفض الأسعار إلى سببين: أوّلاً، نسبة المبيع قليلة. ثانياً، أسعار اللحوم المبرّدة والمثلّجة متدنية جدّاً واللحم الهندي يغزو السوق ما يضع اللحوم الطازجة أمام منافسة صعبة، بالتالي تجارها يخفّضون أسعارهم عند أي فرصة”.
ويلفت إلى أن “متوسّط سعر كيلو اللحمة الطازجة يباع ما بين الـ 180 والـ 220 ألف ليرة لبنانية ما يوازي 8 و10$ (البرازيلي 8$ في الملاحم والأوروبي بين 9 و10$) وهناك أصناف أخرى قد يكون ثمنها أدنى من ذلك وتصل إلى 90 ألف ليرة، لكنها هندية ومثلّجة ومعبأة. وغداً سنلاحظ انخفاضاً في الأسعار بسبب تراجع الدولار لأن همّ الملاحم البيع. أما فارق الأسعار بين ملحمة وأخرى فسببه الفرق في المصاريف، اذ في بيروت مثلاً تكون أغلى من منطقة بعيدة عن العاصمة”، مضيفاً “قبل الأزمة كان سعر كيلو اللحمة 10$ ما يوزاي اليوم 200 ألف ليرة، مع العلم أن السعر ارتفع عالمياً ما بين 30 و40% اي في السابق كان التجار يحققون أرباحاً أما اليوم فانعدم هامش الربح ويحاول كلّ صاحب مؤسسة ضمان استمراريته”.
ويشرح عيد أن “المبيع تراجع نتيجة انخفاض قدرة المواطن الشرائية وتقليص الكميات التي يشتريها من اللحمة أو اتّجاه البعض إلى أصناف أخرى من الغذاء أرخص مثل البقوليات، وبالتالي تراجع استيراد اللحوم الطازجة حوالي 75%، كذلك تراوحت نسبة إقفال الملاحم ما بين 30 إلى 35%”.
وإذ يشير إلى أن “الجميع يتساءل عن سبب فرق أسعار اللحمة بين ملحمة وأخرى بمبلغ يصل إلى 100 ألف ليرة”، يؤكّد عيد أن “السعر المرتفع ليس معياراً يُثبت أن اللحمة طازجة، لكن العكس صحيح فالسعر المنخفض جدّاً يجزم أنها غير طازجة، إذ حين يسلّم المسلخ الكيلو للملاحم بـ 150 ألف ليرة لا يمكن أن بياع من قبلها بما بين 90 أو 130 ألف، ويكون هذا اللحم هنديا غير طازج وسعره منخفض أما نوعيّته فرديئة جدّاً خصوصاً أنه لحم جاموس في أغلبه وليس بقرا وخلال الأشهر الستة الأخيرة ارتفعت نسبة استيراد اللحوم المثلّجة لا سيما الهندية”. ويتابع “قبل الأزمة كان المستهلك حريصا على شراء اللحمة الطازجة أما اليوم فتبدّل معيار الشراء وأصبح يريد تناول اللحوم وعدم دخول المستشفى لكن تناول أصناف رديئة من اللحوم يرتدّ سلباً على الصحة على المدى البعيد”.
ويكشف عيد أنه يعمل على “تحديد موعد مع وزير الزراعة لاقتراح إصدار قانون بالشراكة مع وزارتي الاقتصاد والصحة يفرض على الملاحم أو مراكز بيع اللحوم أو السوبرماركت تحديد نوع اللحم للمستهلك قبل شرائه، إلى جانب القيام بدوريات ضبط دائمة من قبل موظفي الوزارات المعنية أو تكليف البلديات بذلك. ومن الملحّ جدّاً إصدار هذا القانون مع ترك حرّية الاختيار للمستهلك الذي من حقّه أن يعرف نوع اللحمة التي يشتريها من دون غشّه بأنها طازجة أو بلدية، فصحيح أن البلدي أرخص من المستورد لكن كمياته لا تغطي سوى 5% من ملاحم لبنان. كذلك، يباع اللحم الهندي أحياناً بسعر أغلى مع الإدّعاء بأنه صنف آخر”.