وفي تموز، خفّضت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني، تصنيف لبنان من مرتبة CA إلى C، وهي المرتبة الأخيرة في سلّم التصنيفات. وبعد نحو عام ونصف على ذلك التصنيف، تضيء الوكالة على المؤشرات السلبية، رغم أن الحكومة تحاول وضع موازنة “طارئة” تساهم في تصحيح المسار. وبين مطرقة موديز وسندان الموازنة، ينظر اللبنانيون إلى سعر صرف الدولار، المؤثّر مباشرةً على يومياتهم .
تحديات سعر الصرف
يرتبط الحديث عن خسائر حَمَلة سندات الدين ومستويات التضخّم وهيكلة الدين والتفاوض مع صندوق النقد الدولي، بالعناوين الكبرى التي يتم معالجتها على مستوى الدولة، وقد لا يلحظها المواطن أثناء سباقه اليومي مع سعر الصرف وأسعار السلع والخوف من فقدانه فرص العمل.
وإذا كان تراجع سعر الدولار إلى نحو 22 ألف ليرة قد سَمَحَ بتنفّس اللبنانيين قليلاً، إلاّ أن الأجواء توتَّرَت بعد إعلان موديز في تقريرها الأخير، أن بيع مصرف لبنان للدولارات على سعر منصة صيرفة “لن يحقّق استقراراً طويل الأمد في سعر الصرف”، بل يمكن للإجراء أن ينجح “بتخفيض سعر الصرف مؤقتاً. لكن في ظل الشح الكبير بالعملات الأجنبية لا يمكن لهذا الأمر أن يكون مستداماً”. وبرأي الوكالة، المصرف المركزي يقوم بـ”هدر الأموال”.
أصابت الوكالة في تقديرها للموقف. إذ أن “الدولارات التي يمكن تأمينها، تذهب من طريق الاقتصاد. وما يمكن للبنان تصديره تبقى عائداته بالدولار في الخارج”. وفق ما يقوله الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة.
وما قام به المركزي، برأي عجاقة، هو “محاولة للجم سعر الدولار وتحقيق الاستقرار في السعر لتتمكّن الحكومة من إقرار الموازنة ووضع خطة للتعافي. لكن هذا الإجراء لا يؤمّن استدامة تراجع سعر الدولار، ومن الطبيعي أن يعاود الارتفاع في ظل الخلل في الاقتصاد وفي المالية العامة”.
ويشير عجاقة إلى أن سلفة الخزينة بقيمة 5250 مليار ليرة والمخصصة لمؤسسة كهرباء لبنان، تساهم في الضغط على سعر الصرف، لأن الحكومة من خلال السلفة “تطلب من مصرف لبنان طبع المزيد من الليرات، ثم تطلب منه تبديلها بالدولار”.
إعترافات الحكومة
تلتقي موديز مع الحكومة اللبنانية في النظر إلى سعر الصرف. وإذا كان التوصيف سهلاً، فإن الإصلاح صعب. وتعترف الحكومة عبر مشروع موازنتها أن تأمين استقرار سعر الصرف والحدّ من مستويات التضخّم والتدهور الناتج في الأوضاع المعيشية، يأتي عن طريق إصلاح المالية العامة، الذي يتحقّق بدوره عبر “احتواء العجز بغية تأمين الانضباط المالي والحد من المديونية في ظل عدم توفر أي مصادر تمويلية”. وهو ما أوردته وزارة المالية في تقريرها حول مشروع الموازنة، والذي أكّدت فيه أن تحقيق هذه الأهداف تقابلها تحديات ومخاطر أبرزها “المخاطر الناتجة من عدم الاستقرار والتوافق السياسي والشلل في صناعة القرار.. وهي تؤجّل عملية التعافي المالي مما يؤثّر سلباً على الأوضاع المعيشية”.
القوة الاقتصادية
إن كان سعر الصرف عاملاً أساسياً في توصيف الأزمة وحلّها، إلا أن القوة الاقتصادية هي حجر ارتكاز بالنسبة لرؤية وكالة موديز للحل في لبنان. والبحث في مجال القوة الاقتصادية لا ينفصل عن تثمين استمرار الوكالة في إصدار التقارير حول لبنان، لأن “هذه التقارير تعني أن الوكالة ما زالت مهتمة. وهذا يعني بأن لبنان محظوظ حتى الآن رغم تصنيفه في أدنى مرتبة”.
على أنَّ الاهتمام لا يعيد القدرة الاقتصادية، وموديز تلاحظ تراجع قوة لبنان، “وهذا أمر طبيعي في ظل هجرة اليد العاملة وارتفاع معدل البطالة وتآكل الاستثمارات وخسارة الفرص الاقتصادية التي تؤثّر على موقع لبنان في المنافسة الإقليمية مع الدول الصديقة والشقيقة”. ولذلك، على الحكومة التعجيل في وضع آليات الإصلاح، لأن “التأخير يعني خسارة المزيد من الفرص”.
يبقى الهدف الأساس لدى موديز والحكومة اللبنانية، هو الوصول لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، الذي ما زال ينتظر خطة التعافي ورؤية الحكومة لإعادة هيكلة الدين. وبالتوازي مع انتظار الصندوق، ينتظر اللبنانيون حصول متغيّرات في سعر الصرف، إما إيجابياً عبر المزيد من الانخفاض، أو سلبياً عبر عودة مسلسل الارتفاع.
المدن – خضر حسان