أرسلت قبل فترة رسالة نصّية مختصرة لأحد المقرّبين من رئيس مجلس النواب أسأله فيها: هل سيترشّح الرئيس نبيه بري إلى الإنتخابات النيابية في الدورة المقبلة؟ مرّ يوم. مرّ أسبوع. مرّ شهر ولم أتلقّ جواباً لا أبيض ولا أسود ولا حتى رمادياً. صراحة شعرتُ بتأنيب ضمير قوي. كيف فعلتها وتجرّأتُ وسألتُ مثل هذا السؤال الخطير؟ هل من يجرؤ، أخلاقياً، على سؤال رأس الكنيسة الكاثوليكية متى ستترك منصبك؟ ومثله السؤال عن خلافة بري. تخيلت أن الرجل محا الرسالة فور تلقيها لأن مجرّد النظر إلى الرسالة خطيئة مميتة.
لنقل أن رئيس حركة “أمل”، الذي أتمّ الرابعة والثمانين في الشهر الأول من السنة راجع ليحدد جلسة لانتخاب خليفة لعون من غير سلالته السياسية وليشيّع خروجه من قصر بعبدا
ولنقل أن الرئيس نبيه بري، بغياب الوريث السياسي، سيكمل مسيرته النيابية المظفّرة ويرأس كتلة “التنمية والتحرير” التي ستخوض معركة تثبيت حصتها، أو زيادتها لتكون 18 أو 19 نائباً؟ الـ17 بالجيبة، وفي الكتلة ماروني ودرزي وسني وكاثوليكي على سبيل التنوّع، فلمَ لا يعزز الكتلة بنائب بروتستانت وبنائب من طائفة الأرمن الأرثوذكس؟
من الصعوبة بمكان، تصوّر ساحة النجمة من دون الـ”إستيذ”، باني مجد الديمقراطية الحديثة، لا في السنة 2022 ولا في الـ 2026 في الـ 2030 ربما. أكتب “ربما” بتردد ورهبة. والأصعب أن تتخيّل معركة ديمقراطية على رئاسة المجلس. العام 2009 أعلن النائب عُقاب صقر ترشحه لرئاسة المجلس وما كانت الغاية منه “استفزاز بري او تحديه. بل من أجل تسجيل موقف ديمقراطي لا يتعارض مع حالة الوفاق الوطني السائدة وشبه الإجماع القائم على التجديد لبري”، وفي العام 2015 قال النائب شانت جنجنيان، تعليقاً على كلام الرئيس بري ان “الميثاقية يمكن ان تتأمن من خلال نواب مسيحيين من خارج الكتل الاساسية”، بقوله “كتير منيح، هيك صار فيي من بعد اذن الرئيس بري، رشّح صديقي عقاب صقر لرئاسة المجلس”. فلّ الشابان شانت وعقاب وبقي الإستيذ في عرينه.
من يخلُف بري؟ يا لهول السؤال.
لا النائب علي عادل عسيران لابقتلو القعدة على منصة الرئاسة. ولا المعاون علي حسن خليل المطلوب للعدالة محلياً والمعاقب دولياً لابقتلو. ولا هاني قبيسي ولا علي خريس ولا الناطق الرسمي باسم لقاء الأربعاء النيابي علي بزي بحجم أن يخاطبهم النواب الأكارم إجلالاً: “دولة الرئيس”. لا محمد رعد، ولو بكرافات، لابقلو يقعد بعين التينة ويستقبل موفدين كأموس هولشتاين، ولا الحاج علي عمار وُجد في مجلس الشورى اللبناني ليرفع الديمقراطية الحديثة على منكبيه، بالفعل خلق الله نبيه بري وكسر القالب كما كسر بخاطر كثيرين من الطامحين.